strong>ملاك مكي
  • برنامج الأمم المتحدة الإنمائي يحاول إبراز دور المواطن في التأثير في محيطه ومجتمعه

  • تنتهي في آخر شهر حزيران الجاري المهلة التي حدّدها
    «برنامج الأمم المتحدة الإنمائي» لتسلّم قصص المبادرات الفردية في إطار التحضير لكتاب يحمل عنوان «مئة قصة وقصة» عن مبادرات إنمائية فردية ناجحة. إضاءة على بعض المبادرات وفكرة الكتاب

    لم ترث السيدة عايدة عبد الرؤوف مسلماني (48 سنة) مصنعاً ولم تحلم بامتلاك واحد، لكنها اليوم تدير مشغلاً لصنع الحقائب يضم تسع ماكينات حياكة ويوفّر فرصة عمل لسبعة أشخاص.
    بدأت القصة عندما سمعت عايدة جارتها تتحدث عن جمعية تقدّم قروضاً مالية صغيرة لمجموعات نسائية تطمح إلى إقامة مشاريع خاصة. شكّلت عايدة وجاراتها مجموعة أطلقن عليها اسم «المنار»، واقترضت حينها كل منهن مبلغ 250$ اشترت به عايدة، بمساعدة زوجها، ماكينة خياطة وبدأت منذ ذلك الوقت بحياكة الجزادين وتوزيعها على بعض المحال التجارية الصغيرة. بعد أربع سنوات، انفصلت عايدة عن زميلاتها وقرّرت اقتراض مبلغ فردي بقيمة 2500$ اشترت به قماش الحقائب.
    منذ صغرها تحبّ عايدة التجارة، وهي تدرك بالفطرة أن التجارة الناجحة تستوجب دراسة دقيقة للسوق، ومعرفة كيفية أخذ القروض وصرفها. تشدّد في تعاملها مع الزبائن والجمعية على الصدق بحيث تلتزم تسديد الفواتير في مواعيدها، وكذلك تسليم البضاعة، فـ«سّر النجاح هو الصدق». هذا الصدق هو «سرّ النجاح» الذي جعل صناعة الحقائب وبيعها يوفران لها أرباحاً مالية مكّنتها من استئجار مستودع تدير فيه اليوم مصنعها.
    ولا يقتصر نشاط عايدة على مصنعها الصغير، بل صارت تشارك بفعالية في المؤتمرات التي تعقد تشجيعاً للفكرة، منها المؤتمر الذي يُعقد حالياً في صنعاء بتنظيم من «شبكة التمويل الأصغر في العالم العربي، سنابل» تحت عنوان «مكافحة الفقر: 10 ملايين مستفيد بنهاية 2010». وهي ستشارك بصفتها أفضل مقترضة في العالم العربي. (راجع القروض المجهريّة في مكان آخر من الصفحة).
    عايدة الفخورة بما حققته، تطمح إلى المزيد على صعيد بناء شخصيتها، لذلك جعلت مشروعها اللاحق البدء بدروس محوّ الأمية لئلا تفوتها فرصة تعلّم الكتابة والقراءة، مؤكدةً أن «الإنسان ما خلق معلّم، الحياة بتعلّمو».

    «المجموعة»

    ولدت فكرة القروض الصغيرة من خلال مشروع بدأ سنة 1995 بشكل متواضع وأطلقته المنظمة السويدية لحماية الأطفال (save the childrenبعد عامين من ذلك التاريخ، قام ستة أشخاص من خلفيات متنوعة لكن بدافع تحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي بتأسيس «المجموعة» أو «الجمعية اللبنانية للتنمية» وعرّفت نفسها بأنها «جمعية مستقلة، لا تبغي الربح، تدعم وتموّل أصحاب المهن الحرة عبر تقديم خدمة قروض مالية صغيرة فردية أو جماعية (microcredit) من 200 إلى 7500$، تساعد على النمو الاقتصادي للطبقات الفقيرة المهمّشة التي لا تستطيع الحصول على قروض مصرفية». وهذه «المجموعة» هي التي وفّرت القرض لعايدة وزميلاتها.
    عن المستفيدين من هذا المشروع، يشرح المدير التنفيذي للمجموعة الدكتور يوسف فواز أن «عدد المستفيدين منذ عام 1997 حتى اليوم بلغ 25 ألف شخص، من مختلف الانتماءات السياسية الطائفية، ومن جميع المناطق اللبنانية من جنسيات متعددة. ويصل عدد المقترضين حالياً إلى 6500 شخص يعملون في مهن مختلفة كالصيد، الخياطة، الحلاقة، تجارة البياضات، الزراعة، أصحاب الدكاكين في القرى والمدارس، وأفران خبز الصاج».
    وتهتم «المجموعة» بالسيدات صاحبات الخبرة في مجال معين، اللواتي يرغبن في تأسيس مشروع، وذلك من خلال التجربة. فالسيدات «يتميزن، أكثر من الرجال، بروح التكافل والتضامن في ما بينهن، وهذا ما يتطلبه برنامج القرض الجماعي حيث يُعطى القرض لمجموعة معينة تتكافل في ما بينها لتسديد الدفعات المالية».
    وعن تأثير هذه التجربة في العاملين على توفير القروض يقول فواز إنه: «على رغم شروط العمل القاسية، وبدل الأتعاب الزهيد الذي يحصل عليه الناشط في الجمعية، يؤمن العاملون في هذا المشروع برسالة تحسين الوضع المعيشي للمواطنين». يضيف: «وعلى رغم قلّة التمويل في هذا القطاع، تطمح «المجموعة» إلى توسيع خدماتها لكي تصل إلى أكبر شريحة ممكنة من الناس قد يغيّر «القرض المجهري» ظروف حياتهم الصعبة».

    «دقة قلب»

    وغير بعيد عن «المجموعة»، تجربة أخرى أطلقها عدد من أطباء قلب الأطفال «لأنه من غير المسموح أن يتوقف قلب طفل عن الخفقان بسبب مشاكل مادية».
    هكذا ولدت، عام 2005، جمعية «دقة قلب heart beat» التي تعنى بتمويل علاج أطفال مرضى القلب من خلال إقامة أنشطة فنية، استثنائية غير تقليدية، يحييها أعضاء الجمعية وأولادهم. وهموإن كانوا غير محترفين في مجال الموسيقى والغناء، نظموا حتى الآن حفلتين موسيقيتين، الأولى في فقرا سنة 2005، والثانية في بيال حضرها 4500 شخص، «ووفّر ريع هذه الحفلات، إضافة الى تبرعات خاصة، علاج حوالى 150 طفلاً حتى الآن» يقول رئيس الجمعية الدكتور رمزي قشقوش.
    ويقول إنه فوجئ بمدى تجاوب الناس مع طروحاتهم «وخصوصاً بعدما عرفوا أن 1% من الأطفال مصابون بمشاكل قلبية، فقدم مهندسو الصوت، الإضاءة، موزعو الإعلانات والبطاقات وغيرهم خدمات مجانية تعبّر عن مدى تفاعلهم مع الآخر الذي يريدون له حياة أفضل». هذا الدعم شجع الجمعية على التحضير لإقامة حفل ثالث حددوا له موعداً هو 13 تموز المقبل في مدرسة الجمهور «سيتمكن من حضوره نحو سبعة آلاف شخص، يغنون معاً لإنقاذ أطفال لن يُسمح لقلبهم بالتوقف عن الخفقان بالحياة».

    ... وإصلاح انتخابي

    ولأن السياسة زادُ اللبنانيين اليومي، كان لـ«شباب من أجل إصلاح انتخابي» همّ آخر تطوّع لأجله عدد من الشباب. ومن خلال تنظيم ورش عمل وأعمال فنية مختلفة، يحاولون لفت المجتمع إلى أهمية الإصلاحات الانتخابية، كالكوتا النسائية، خفض سن الاقتراع، تحديد دور الإعلام والإعلان الانتخابيين، حق المغتربين في التصويت، وتأليف هيئة مستقلة لمراقبة الانتخابات.
    دوافع شخصية كثيرة شجعت جميل معوض على العمل في هذا الإطار، فالمواطنية بالنسبة إليه «حق وواجب، يجب على المواطن أن ينشط في مجتمعه ليوْجد بديلاً آخر من الأطر السياسية الحزبية الضيقة، يحتضن الشاب الرافض لواقعه، ولا يُنشئ فسحةً جديدةً للتعبير عن الرأي فقط بل أيضاً للمشاركة في صنع القرار وتنفيذه».
    من خلال تجربته، لامس معوض التزام وحيوية الشباب المتطوعين الذين تمكّنوا من إقناع بعض المشاركين في ورش العمل بالموافقة على هذه الإصلاحات الانتخابية التي سترفع في تقرير مفصّل يصدر عن «المركز اللبناني للدراسات».

    مئة قصة وقصة

    هذه المبادرات وغيرها الكثير شكّلت مادة البحث الأولى في مشروع «شو القصة خبرونا: مئة قصة وقصة» الذي يلقي الضوء على مبادرات المواطنين في الحياة العامة ويدخل ضمن إطار «التقرير الوطني للتنمية البشرية» المتوقع نشره في أواخر عام 2007 عن «برنامج الأمم المتحدة الإنمائي» الذي يتركّز موضوعه هذا العام على «دور الدولة والمواطنية: نحو دولة المواطن».
    تشير مديرة مشروع التقرير الوطني للتنمية مها يحيى إلى أن الغاية الأساسية من جمع هذه القصص هي «إشراك أكبر عدد من الناس في كتابة التقرير وإبراز دور المواطن في التأثير في محيطه من خلال عدد المبادرات الكبير الذي استُكشف حتى الآن، علماً بأن آخر موعد لإرسال القصة في أواخر حزيران». وتؤكد يحيى من خلال تجربتها أن اللبنانيين، على اختلاف طبقاتهم الاجتماعية ومن مختلف الأعمار، «ملتزمون قضايا الشأن العام الاجتماعية، السياسية، الاقتصادية والثقافية».
    تقول إنه «بعد تحرير الجنوب، وانسحاب الجيش السوري، بدأ ينمو لدى اللبنانيين شعور بإمكانية تأسيس دولة، يلتزم فيها المواطن شؤون مجتمعه. فعلى رغم المشاكل السياسية والاقتصادية، لم تكن هذه القصص خيالية استُوحيت من قصص ألف ليلة وليلة بل فرضت واقعيتها على الأراضي اللبنانية».




    «شو القصة؟»

    يوضح المنشور الخاص الذي أعدّه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للتعريف بالمشروع «شو القصة؟ خبرونا» أن الهدف منه إلقاء الضوء على مشاركة المواطنين الفعالة في الشأن العام، وبشكل خاص على المبادرات الناجحة للتأثير في قضايا محلية أو وطنية متعلقة بالشأن العام وتقديم حلول لبعض المشاكل التي يواجهها المجتمع اللبناني.
    وقد تكون هذه المبادرات «لحل مشكلة اجتماعية أو اقتصادية أو بنيوية مزمنة ضمن مجتمع محلي معيّن، أو لتشجيع المشاركة العامة في مشاريع تتناول مشاكل اجتماعية أو بيئية أو ثقافية أو اقتصادية في محيط معيّن، وللتأثير في صياغة الأطر القانونية والمؤسساتية لقضايا محلية أو وطنية تهدف إلى المساواة بين المواطنين». للمشاركة في برنامج «خبرونا القصة لتكون قدوة» يمكن إرسال القصة على العنوان الآتي:
    «مبادرات المواطنين في الحياة العامة»، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ــ التقرير الوطني للتنمية البشرية. مبنى الأمم المتحدة، رياض الصلح، بيروت. ولمزيد من التفاصيل يمكن زيارة الموقع الإلكتروني: www.nhdrlebanon.org
    علماً بأن المبادرات المختارة ستُنشر في «التقرير الوطني للتنمية البشرية المتوقع نشره في أواخر عام 2007».




    مدرسة مجدليا

    بدأت الحكاية في نهاية عام 1970 حين تلقّت إدارة مدرسة مجدليا إنذاراً بإخلاء المبنى الرئيسي الذي يضم عدّة غرف متواضعة ومشتتة، ما وضع الأهالي وفعاليات البلدة والإدارة أمام تحدّي إيجاد بديل أخير يحول دون إقفال المدرسة. اجتمع المختار الشيخ أمين مطر بكل من مهنا حيدر، توفيق صبح، الياس هيكل، ذوقان مطر وممثلي مختلف العائلات والطوائف في البلدة، ليقرّروا إنشاء المدرسة على عاتق تبرعات الأهالي. فور انتهاء الاجتماع، شكلت اللجنة مسيرة لجمع التبرعات، كل حساب إمكانياته، وكان لافتاً تقديم بعض النساء حليّهن، وقدّمت إحدى المسنّات ليرة ذهبية كانت تخبّئها في فراشها، وجُمع آنذاك مبلغ وصل إلى 2757 ليرة و50 قرشاً.
    أما المكان الوحيد المناسب لإقامة المدرسة فكان المقبرة المحاطة بعدد من أشجار الجوز التي تعود كل واحدة منها إلى عائلة من عائلات البلدة، فتنازل الجميع عن ملكيته لمصلحة بناء المدرسة ونقل الرفات الى مكان آخر. وعام 1973، دُشّنت المدرسة الجديدة لتخبر حكاية تضامن أهلها.




    «القروض المجهرية» حلّ للفقر؟

    هل تعدّ «القروض المجهرية» (microcredits) من التجارب الناجحة؟ وعلى من تعود فوائدها الاقتصادية فعلياً؟ وكيف تؤثر في تغيير أنماط العيش في المجتمعات التي تنشط فيها، أي في دول العالم الثالث تحديداً؟ وهل يمكننا أن نعرف نسبة نجاحها في تأمين استمرارية للمشاريع التي تنطلق بها؟
    كل هذه الأسئلة تكاد تختفي من التداول، وتصبح الحقيقة الوحيدة قدرة هذه القروض على انتشال الفقراء من فقرهم، وتعزيز دور المرأة في المجتمعات، وخصوصاً أن معظم الجمعيات الخاصة التي تقدّم هذه القروض تتوجه إلى المرأة بشكل خاص بهدف تمكينها «جندرياً»، إذ يكشف المسح الإقليمي الذي أعدته «شبكة التمويل الأصغر في العالم العربي ـــــ سنابل» عام 2005 أن عدد العملاء من النساء اللواتي يتمتعن بخدمات التمويل الأصغر ارتفع من 30% سنة 1997 إلى 60% سنة 2005.
    وضاعف من الاحتفاء بخدمات القروض الصغيرة فوز مؤسس «غرامين بنك» للقروض الصغيرة (microcredits) البنغالي محمد يونس بجائزة نوبل للسلام سنة 2006، وهو لم يتردّد يومذاك في التبشير بـ«عالم خالٍ من الفقر».
    يعرّف كثيرون التمويل الأصغر بأنه تقديم قروض صغيرة لأسر في منتهى الفقر، وذلك بهدف مساعدتها على البدء في أنشطة إنتاجية أو تنمية مشاريعهم الصغيرة. لكن دائرة «التمويل الأصغر» اتسعت مع مرور الزمن لتشمل المزيد من الخدمات (الإقراض، الادخار، التأمين)، وذلك نظراً لحاجة الفقراء لمجموعة متنوّعة من الخدمات المالية بعد أن استعصى عليهم الانتفاع من المؤسسات المالية الرسمية القائمة.
    وهذا يعني أن هذه القروض تشجع المؤسسات الخاصة على العمل بعيداً عن الدولة، ما يطرح السؤال الذي يحتمل النقاش، عن إمكان إدراج التجارب الفردية القائمة على هذا النوع من العمل الاقتصادي في إطار تقرير عن «دور الدولة والمواطنية: نحو دولة المواطن». إذ يرى خبراء اقتصاديون أن فلسفة القروض الصغيرة تغيّب دور الدولة على حساب القطاع الخاص، بل هي قد تذهب أبعد من تحييد الدولة، إلى تحويل المواطن إلى مجرد مستثمر يدخل لعبة السوق.