البقاع الغربي ـ أسامة القادري
لمجرد أن تنتقل من البقاع الأوسط إلى البقاع الغربي، عبر طريق المرج مروراً بغزة ولوسي وكامد اللوز، وصولاً إلى بعلول والقرعون، يدهشك انتشار القصور والأبنية الفارهة: أبوابها، حلتها ورفعة ذوق مصمميها. على طول خط قرى البقاع الغربي إلى شرقي بحيرة القرعون أبنية مرصوصة قبالة بعضها من الطراز الأول في هندستها المعمارية وتكاليفها الباهظة، وأحجارها الثمينة المستوردة والمنحوتة بمختلف أنواع الصور، في منطقة تكاد تكون مقطوعة من الحركة باستثناء مرور بعض المقيمين فيها. يصل عددها إلى ما يقارب ستة آلاف وحدة سكنية من الطراز الأول، نسبة إلى أبنية المقيمين التي تُعَدُّ قديمة وأقل من عادية.
والمفاجأ أن هذه الفيلات والقصور تعشِّش الطيور في شرفاتها التي تغطيها أوراق الأشجار والغبار ورواسب الأمطار، ويلفها السكون الطاغي على أي حركة في النهار، والظلام الدامس الخالي من أي بصيص ضوء في الليل، لتحن إلى ضجيج الأطفال و«عجقة» الأنفاس.
فوزي هاشم معلّم «عمار» من بلدة بعلول، من أمام بيته المتواضع يقول: «لقد بنيت أكثر من نصف منازل البلدة، هناك قصور تبدأ كلفتها من مئتي ألف دولار وتنتهي بمليون دولار. طبعاً عندما أشاهدها آسف لأنها فارغة ومعتمة». يضيف: «نحن المقيمين هنا مظلومون بين هذه الأحجار، وإن كانت قصوراً، لأنه لا حياة في البلدة. حتى أولادنا هاجروا هرباً من هذا الظلام، أملاً في تحقيق حلمهم في بناء منزل». وهذا الحلم لا يتحقق إلا عبر «السفر» إلى كندا أو أميركا أو فنزويلا.
أما أم سمير فتحن إلى الماضي، رغم أنها تتذكر حينها طفرة ذلك الجيل إلى الهجرة، لتقول: «كان في هجرة بأيامنا، بس كان في حياة أكتر بالضيعة».
المختار أحمد هاشم له رأي آخر، فيقول: «من الطبيعي ما نشهده من منافسة المغتربين في بناء هذه القصور. إذا كانت نسبة المهاجرين من أبناء البلدة 95 % وبناء المنزل حلم الشباب. وينسحب هذا «الحلم» على باقي شباب قرى البقاع الغربي التي تفتقر إلى العديد من مقومات الحياة التي تجعل الشباب يتعلقون بأرضهم». يتأفف ليردف ويقول: «مش حرام كلن راحوا شباب ورجعوا يعمروا بعد ما الغربة أكلت عمرهن».
بلدة القرعون، أكبر القرى البقاعية، تصل نسبة الهجرة فيها إلى 60%. وتشهد البلدة منافسة بين المغتربين وبعض المتمولين المقيمين على بناء القصور والفيلات ذات المواصفات الرفيعة، لتترك فارغة على قارعة الطريق. وبسبب هذه المنافسة تحطمت أحلام الشباب في تحصيل العلم لتتراجع فيها نسبة المتعلمين، لأن الهجرة هي الطريق الأسهل إلى تحقيق «الحلم» الذي يراود الشباب: زوجة تحمل الجنسية الأجنبية، وامتلاك منزل من الطراز الأول وسيارة «فخمة».
ويؤكد محمد غطمة من بلدة لالا أن كلفة كل منزل «تبدأ من مئتي ألف دولار وصولاً حتى 2.5 مليون دولار». ويأسف لأن «هذه المنافسة أصبحت «غيرة» عند الكثيرين منهم. هناك أشخاص أتوا «ليعمروا» منازل لهم تفوق كلفتها ما لديهم من أموال، وقد وقعوا في الديون وعادوا إلى المهجر ليبدأوا من جديد». ويضيف: «أعمل جاهداً حتى لا تنتقل عدوى الاغتراب إلى أولادي ويفقدوا مستقبلهم العلمي».
محمد ساطي من بلدة كامد اللوز يعتب على هولاء المغتربين الذين «يضعون أموالهم في حجارة مكدسة في الهواء الطلق، وهم يعرفون أن المنطقة في أشد الحاجة إلى المعامل والمؤسسات، التي تدر عليهم الأرباح وتنقذ الشباب من البطالة والهجرة».