نحلة - علي يزبك
كثيراً ما نشاهد فلاحاً يكابد وراء محراثه ذهاباً وإياباً، وخصوصاً في الأرياف حيث ما زال الكثير من المزارعين يحرثون الأراضي بالطريقة البدائية، فيتم التقاط الصور للذكرى أو استخدامها للاستشهاد بالأساليب الزراعية القديمة أو للحديث عن التراث.
مع شروق الشمس تبدأ رحلة طعان في قريته نحلة، حيث يمتطي حصانه باتجاه بساتين الكرز والمشمش والزيتون لممارسة عمله، وهو حراثة الأرض بين شهري أيار وحزيران وشهري أيلول وتشرين.
بعد أن ينهي حراثة أرضه التي تحتاج إلى أربعة أيام، يبدأ طعان بحراثة أراضي الغير ويتقاضى خمسين ألف ليرة عن كل يوم حراثة لإعالة عائلته المكونة من خمسة أفراد.
ويضيف «لقد اضطررت للقيام بهذه المهنة بعد أن أقفل المصنع الذي كنت أعمل فيه منذ عشر سنوات بسبب مشاكل مالية، وبتّ من دون مدخول، فقررت العودة إلى مهنة الأجداد. صحيح أنها متعبة وتتطلب جهداً كبيراً، وتسبب لي آلاماً في العمود الفقري والمفاصل، وخصوصاً في هذا العمر. ولكن ما باليد حيلة، وليس هناك خيار آخر. لن أمدّ يدي لأحد وسأواصل الكسب بعرق الجبين».
يؤكد طعان أن «حراثة الأرض تقليدياً مطلوبة في قريتنا وخصوصاً في الجلول والمنحدرات حيث لا تستطيع الجرارات الزراعية العمل، ومن هنا فإن العمل متوفر (...) الله ساترها معنا. أبيع ثمار الكرز والمشمش من بستاني والمونة متوفرة من خيرات الأرض. ألا تعرف المثل الذي يقول: فلاح مكفي سلطان مخفي».
يشكو طعان من كلفة الفاتورة الصحية «فلا ضمان صحي، ولا ضمان شيخوخة، ولا أحد يفكر بنا في هذه الأيام. فالسياسة نسيت المواطن، ونحن فقدنا الأمل كلياً بقيام الدولة العادلة».
يطالع طعان الصحف يومياً، ويرفض أن ينظر إليه كجزء من الماضي «لا لسنا كذلك. لقد انبهر الكثيرون بالحداثة حتى سلبتهم عقولهم وباتوا كالآلة، وهم يستخدمون صورة الفلاح للحديث عن التخلف، أنا أقول لك بصراحة: هذه المهنة متعبة وتتطلب بنية جسدية قوية، ويمارسها الإنسان منذ الأزل وهي لن تندثر في منطقتنا أبداً. انظر إلى هذه الجلول التي بناها أجدادنا بشقّ الأنفس. لا يمكن حراثتها إلا بهذه الطريقة.