strong>حسن عليقتفقّد أمس رئيس لجنة التحقيق الدولية المستقلة سيرج براميرتس وأعضاء من اللجنة موقع الانفجار الذي أودى يوم الأربعاء الماضي بحياة النائب وليد عيدو وابنه واثنين من مرافقيه و6 مواطنين آخرين. ورافق وفد اللجنة مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي جان فهد وقاضي التحقيق العسكري الأول رشيد مزهر.
ومع تفقّد القاضي براميرتس لمسرح جريمة اغتيال النائب عيدو، يُستذكر التقرير الصادر يوم 24 آذار 2005 عن بعثة تقصي الحقائق التي رأسها المحقق الإيرلندي بيتر فيتزجيرالد والتي مهّدت لانطلاق التحقيق الدولي، في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. ففي ذلك التقرير، ذكر رئيس البعثة أنه، «خلال اجتماع مع فريق الإدارة العليا المحلي للتحقيقات عقد في ٨ آذار/مارس ٢٠٠٥، طلب أعضاء البعثة تقريراً تتبّعيّاً ًعن العناصر ذات الصلة بمسرح الجريمة، أي مَن دخله من الأفراد، وما جُمع فيه من أدلة، وما أُخِذ من مستندات، وما أُجري من اختبارات والسيطرة العامة على مسرح الجريمة. وفي ١٥ آذار/مارس ٢٠٠٥ أُبلغت البعثة أن ذلك التقرير لا وجود له ولا يمكن تقديمه».
ما الذي تغيّر منذ ذلك التاريخ؟ واذا طلب رئيس لجنة التحقيق الدولية القاضي سيرج براميرتس تقريراً مماثلاً للذي طلبه فيتزجيرالد، فهل هناك من يستطيع تقديم التقرير المطلوب؟ قبل الإجابة عن هذين السؤالين، لا بد من الإشارة إلى أن الأجهزة الأمنية اللبنانية المختلفة شهدت ــــــ ولا تزال تشهد ــــــ تطويراً على مختلف الصعد، ولا سيما من ناحية العتاد والعديد والتدريب. لكن الاطّلاع على الإجراءات الميدانية التي اتخذها المحققون، خلال الأيام الماضية، في مسرح جريمة اغتيال النائب وليد عيدو، يطرح تساؤلات عن مدى سهولة إعداد تقرير واضح يجيب عن الأسئلة التي طرحها فيتزجيرالد قبل أكثر من سنتين. فالأجهزة الأمنية العاملة في مسرح الجريمة بلغ عددها سبعة، ولم تظهر في المكان مرجعية ميدانية واضحة تتولّى الإدارة وتتحكّم بالدخول إلى ساحة الجريمة والخروج منها، وتسجّل الموجودات والعيّنات التي تُرفع من مكان التفجير.
نقطة أخرى كان تقرير فيتزجيرالد قد أثارها، ولا بد من إثارتها مجدّداً في ظل استمرار استهداف السياسيين والمواطنين في أرواحهم وأرزاقهم، وهي قضية الأمن الوقائي وتقويم أمن الشخصيات المستهدفة. فقد رأى المحقق الايرلندي في 3 فقرات من تقريره (19، و20 و21) أن الأجهزة الأمنية العاملة في مجالي مكافحة الإرهاب والتنصت فشلت «فشلاً ذريعاً في التنبؤ باغتيال السيد الحريري ومنع وقوع الاغتيال». كما ذكر أن أياً من الأجهزة الأمنية اللبنانية لم يُعدّ «ملف تقويم» لأمن الحريري. وتابع أن الأمن الوقائي «جزء مهم ولا يتجزّأ من أي نظام أمني عملي». وخلص التقرير إلى القول إنه، «واستناداً إلى ما ذُكر أعلاه، ترى البعثة أن جهاز الأمن اللبناني أخفق في توفير الحماية السليمة للسيد الحريري ومن ثم، أتاح اﻟﻤﺠال المناسب لاغتياله».
بعد سنتين على تقرير فيتزجيرالد، يبدو أن «خلل الأمن الوقائي» الذي تحدّث عنه لا يزال على حاله، أو أن التطوير الذي يشهده هذا المجال الأمني لا يزال دون المستوى الكافي لحماية السياسيين والمواطنين وأرزاقهم. فمنذ أكثر من سنتين تتحدّث تقارير إعلامية عن لوائح بأسماء سياسيين وإعلاميين معرّضين للاغتيال، آخر هذه التقارير كان نهاية عام 2006 مع نشوء حركة «فتح الإسلام». إضافةً إلى ذلك، فإن البلاد تشهد معركة عسكرية يخوضها الجيش ضد الحركة المذكورة في الشمال، واشتباكات في عين الحلوة وخمسة تفجيرات استهدفت مناطق صناعية وتجارية في أقل من شهر، كل ذلك وسط انقسام سياسي حاد. ألا تمثّل هذه العوامل جميعها دوافع لدى الأجهزة الأمنية لإعداد «ملفات تقويم» لأمن الشخصيات السياسية، وعدم الاكتفاء بإجراءات أمنية يتخذها أفراد الحماية الذين ترى قياداتهم جزءاً كبيراً منهم «غير مؤهّل»؟