strong> إبراهيم عوض
ماذا حمل معه الوزير طارق متري إلى اجتماع وزراء الخارجية العرب من وثائق «تظهر صلة سوريا في الحوادث الأخيرة التي تهدِّد الاستقرار في لبنان، سواء على جبهة مخيم نهر البارد، أو عمليات الاغتيال الدائرة وآخر ضحاياها النائب وليد عيدو؟».
الحديث عن الوثائق هذه نسب بداية إلى مصادر وزارية قبل توجه متري إلى القاهرة، ثم أكده بعد ذلك وزير الإعلام غازي العريضي في معرض رده على سؤال لمندوبة محطة «ان. بي. ان»، بعد جلسة مجلس الوزراء الأخيرة عن مصدر هذه الوثائق التي تدل على تهريب السلاح، إذ قال: «إنها من المؤسسات الأمنية. وهذا الكلام قديم، لكن منذ أسبوعين تقريباً وصلت معلومات إلى مجلس الوزراء تم توثيقها واختصارها وجمعها في هذا الملف الذي قدم (من قبل متري)».
إلا أن سفير سوريا لدى مصر ومندوبها الدائم في جامعة الدول العربية يوسف أحمد الذي شارك في الاجتماع نفى بشدة ما ذكره العريضي وقال لـ«الأخبار»: «أمضيت سنوات وزيراً في سوريا قبل أن آتي سفيراً إلى القاهرة، وأعرف جيداً العريضي و(الوزير) مروان حمادة، و(النائب) وليد جنبلاط وكثيرين غيرهم ممن يسمون اليوم فريق 14 آذار. وأستغرب كيف يقدم الأول على تلفيق مثل هذه الأخبار، فيما الوزير متري لم يطلعنا على أي وثيقة، حتى إنه لم يأت على ذكرها، ولا أظن أن أحداً من الوزراء العرب علم بأمرها، وما على المشكك في ما نقوله إلا سؤال الاثنين والعشرين وزيراً للخارجية».
وروى السفير السوري وقائع مما دار في الاجتماع فقال: «إن الوزير متري تقدم بخطاب يتسم باللياقة والأدب، وبدا حريصاً على وصف سوريا بالشقيقة، متوقفاً عند بعض التصريحات والتعليقات الصادرة في دمشق التي تحدثت عن تدهور الأوضاع في لبنان إذا ما أقرت المحكمة الدولية تحت الفصل السابع. كما تناول ما يجري في مخيم نهر البارد طالباً المساعدة على ضبط الحدود مع «الشقيقة» سوريا ومنع تسريب السلاح والمسلحين، داعياً سوريا إلى تحمل مسؤولياتها في هذا المجال».
وكشف أحمد أن متري، لدى إثارة وزير الخارجية السوري وليد المعلم مسألة مقتل العديد من العمال السوريين في لبنان بسبب التحريض الذي يقوم به بعض اللبنانيين على سوريا، رد متأثراً بالقول: «أنا كلبناني أخجل من هذه الممارسات ومما يحصل لإخواننا العمال السوريين، ولا بد للقضاء أن يقتص من مرتكبي هذه الحوادث».
وذكر السفير أحمد «أن الوزير المعلم حيا الوزير اللبناني على موقفه هذا ورد هو الآخر بكلمة هادئة ومرتجلة أكد فيها حرص سوريا على استقرار لبنان وسلامته ودعوة اللبنانيين إلى التوافق في ما بينهم. كما كرر إدانة دمشق لما تقوم به «فتح الإسلام» و«جند الشام»، وهي تراهما جزءاً من تنظيم «القاعدة»، مذكّراً بتعرض سوريا لأعمال إرهابية على يد هاتين المجموعتين.
وفيما لفت أحمد إلى أن «كلمة الوزير المعلم ركزت على الاتهامات التي تطلق ضد سوريا بعد أقل من دقيقتين على وقوع انفجار أو حصول عملية اغتيال في لبنان»، رأى «أن تضمين البيان الختامي دعوة أطراف لبنانية إلى تجنب الاستفزازات والاتهامات الجزافية، وكذلك أعمال التحريض أو الدعوة إلى استخدام العنف»، رسالة واضحة إلى هذه الأطراف كي تكف عن ممارساتها، كما جاء ليخيب آمال من اعتمد «الهوبرة» وتصوير اجتماع وزراء الخارجية العرب بأنه موجه ضد سوريا. وأفاد أحمد في هذا الإطار بأن إدراج هذه الفقرة في البيان تم أيضاً بناء على طلب تقدم به وزير الخارجية القطري.
ورداً على ما ذكرته وسائل إعلام تابعة للأكثرية من أن متري «أحبط التفاف المعلم حول المحكمة الدولية وتصدى لاقتراحه تشكيل لجنة تحقيق قضائية عربية للتحقيق في الجرائم التي تحصل في لبنان، نفى مندوب سوريا لدى الجامعة حصول أي «منازلة» بين المعلم ومتري خلال الاجتماع، مكرراً وصف الأخير بـ«المهذب والناعم». ورأى ما ورد في شأن اقتراح المحكمة العربية مغايراً للحقيقة، وخصوصاً أن وزير الخارجية السوري حصر الأمر بمسألة التحقق من الاتهامات الجزافية التي تطلق ضد سوريا من دون الاستناد إلى أية أدلة، فيما صدرت اقتراحات أخرى تقول بتأليف لجنة قضائية عربية تواكب ما يصدر عن لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري للتأكد من عدم لجوئها إلى التسييس. إلا أن المخاوف التي أبداها البعض من حصول التباس وتضارب بين عمل اللجنة العربية واللجنة الدولية أدى إلى طي الفكرة والاستعاضة عنها بتكليف الأمين العام للجامعة متابعة الموقف في ما يخص الاستفزازات والاتهامات الجزافية وتقديم تقارير كلما اقتضى الأمر.
وعمّا تردد عن إخفاق المعلم باستبدال عبارة «تقديم المساعدة للحكومة اللبنانية» مطالباً بكلمة «الدولة» بدلاً من الحكومة، أفاد السفير أحمد بأن هذه الملاحظة جاءت في سياق «ربط المساعدة بالحكومة وقواتها المسلحة» حيث لفت الوزير المعلم إلى أن القوات المسلحة تكون للدولة لا للحكومة، وقد أخذ المجتمعون بهذه الملاحظة ووردت في البيان على الشكل التالي: «إن مجلس الجامعة قرر تقديم المساعدة للحكومة اللبنانية والقوات المسلحة اللبنانية في مواجهة الإرهاب...».
وعن رأيه في تفسير النائب السابق فارس سعيد لليونة التي أبداها وزير الخارجية السوري في اجتماع القاهرة بأنها جاءت لمعرفة الأخير بأنه «محشور في الزاوية»، أكد أحمد «أن الموقف السوري انطلق من الحرص على لبنان»، مشيراً إلى أنه « كان بإمكان سوريا، إذا أرادت، أن تعارض البيان وتحول دون صدوره، لكنها لم تجد فيه ما يزعجها ورأت فيه بياناً متوازياً ومقبولاً».
وخلص الى أن «خير دليل على بطلان المزاعم التي طلع بها البعض حول الجو العاصف الذي ساد الجلسة خلال مناقشة الموضوع اللبناني هو الإشارة إلى أن مدة الاجتماع استغرقت ست ساعات، من الساعة السادسة والنصف مساءً وحتى الثانية عشرة والنصف بعد منتصف الليل، وقد استحوذت المسألة الفلسطينية على خمس ساعات ونصف، فيما لم يتعد البحث في الشأن اللبناني أكثر من نصف ساعة». وقد حاولت «الأخبار» الاتصال بالوزير العريضي للوقوف على رأيه في ما قاله السفير يوسف أحمد، إلا أنها لم توفق.