جان عزيز
تبدو مسألة إجراء الانتخابات النيابية الفرعية في دائرتي المتن الشمالي وبيروت الثانية أكثر تعقيداً من صورتها الأوليّة الظاهرة. فهي ــــــ بحسب قراءة المعارضة المسيحية ــــــ تكشف حسابات واضحة لدى أهل السلطة، بجعل هذا الاستحقاق يراوح بين سيناريوهين رابحين بالنسبة إلى المنظومة الحريرية، أولهما يمكن اعتباره سيناريو «البروفة» الرئاسية، قانونياً ودستورياً وبطريركياً ودولياً، وثانيهما هو سيناريو «التصفية المسيحية ــــــ المسيحية» تكراراً واستمراراً لمناسبات عدة خطط لها أهل السلطة القائمة وعملوا على تحقيقها في أكثر من مناسبة واستحقاق.
جهة نيابية معارضة ومتحركة على كل خطوط الأزمة، تشرح تفاصيل هذه الحسابات، وتروي أن جدية السلطة في مخططها تبرز بدايةً في التاريخ المحدّد من جانبها للانتخابات، 5 آب المقبل. وهذا يعني أن الفريق الحريري يراهن مسبّقاً على عدم حصول أي تغيير في الوضع الحكومي في الفترة الفاصلة عن هذا الموعد، وبالتالي قراره النهائي بإسقاط كل المبادرات المحلية والخارجية المطروحة على هذا الصعيد. كما يراهن مسبّقاً على عدم توقيع رئيس الجمهورية قرار الحكومة بدعوة الهيئات الناخبة. بدليل أن الحساب الزمني الذي اعتمده الفريق الحريري هو 16 حزيران، تاريخاً لقرار مجلس الوزراء، زائداً 15 يوماً لانتظار التوقيع الرئاسي المستحيل، زائداً يوماً أو يومين لاعتبار المرسوم نافذاً، زائداً 30 يوماً مهلة قانونية بين صدور المرسوم وانعقاد الهيئات الناخبة في 5 آب المقبل. وبالتالي فإن مجرد تحديد هذا الموعد، يعني عملياً أن المنظومة الحريرية حسمت قرارها برفض كل مبادرة والذهاب في شكل لا تراجع عنه إلى استحقاق أول من نوعه بعد نهاية الحرب، لجهة تقسيم المؤسسات الدستورية.
ما الذي يدفع الفريق الحاكم إلى مثل هذا الاطمئنان؟ تجيب الجهات النيابية المعارضة إن خلف هذا الحسم استكانة حريرية إلى حسابات السيناريوهين التاليين:
أولاً، سيناريو «البروفة» الرئاسية. وفي تفاصيله أن تعمد قوى المعارضة إلى مقاطعة الانتخابات المقبلة، التزاماً بالأصول القانونية، أو حرصاً على المقتضى الميثاقي لصلاحية رئاسة الجمهورية في هذا المجال. وفي هذه الحال يندفع فريق السلطة إلى «تسمية» نائبين له في الدائرتين المعنيتين، من طرف واحد، من دون أن يعبأ بالميثاق والدستور والقانون، وحتى من دون التوقف عند رأي بكركي في الموضوع، ليفرض بالتالي سابقة أولى، تعطى نحو ثلاثة أشهر، لتتحوّل أمراً واقعاً، بالاستناد إلى «اعتراف» دولي ما بهذه الخطوة. وهو ما يمهّد في حال حصوله للوصول إلى انتخابات رئاسية بالطريقة نفسها. وتضيف الجهات نفسها إنها لا تستبعد في حال حصول هذا السيناريو، وفي مواجهة رفض نبيه بري نتائج هذه «التسمية النيابية»، أن ينضمّ «النائبان» الجديدان فوراً إلى سلسلة زيارات دولية، يقوم بها سعد الدين الحريري على عدد من العواصم، بصفتهما الجديدة، وذلك في محاولة لتكريس «الاعتراف» الدولي المنشود لهما. بعدئذ يُتوقع أن تتوالى حلقات السيناريو: رفض لأي طرح في شأن تأليف حكومة وحدة وطنية، عدم اكتمال النصاب الدستوري في جلسة 25 أيلول، دعوة من طرف واحد لاجتماع لجنة الإدارة والعدل لاستصدار تفسير جديد لمضمون المادة 49 من الدستور، ثم انتظار الأيام العشرة الأخيرة من الولاية الرئاسية، ليصار خلالها إلى عقد جلسة في قصر استُؤجر خصيصاً لهذه الغاية في محيط قريطم، وانتخاب رئيس جديد للجمهورية بنصاب 70 نائباً.
ثانياً، سيناريو «التصفية المسيحية ــــــ المسيحية». وفي تفاصيله أن تبادر قوى المعارضة، وخصوصاً المسيحية منها، إلى المشاركة في الانتخابات الفرعية، وتحديداً في دائرة المتن الشمالي، حيث تنوي السلطة تحويل هذه «الموقعة» أرض مواجهة مزدوجة الربح، يخوضها «المجالدان» أمين الجميل وميشال عون. فإذا خسر الجميل المقعد، تكون المنظومة الحريرية قد ربحت إزاحته من السباق الرئاسي، بعدما تحوّل تمايزه الآذاري، وخطابه المسيحي «التوازني» مصدر إزعاج وانزعاج من جانب أكثر من متسابق حريري رئاسي. كما تكون قد ربحت إقراراً عونياً بالتراجع عن حساب تمثيل الجنرال 70 في المئة من المسيحيين، على قاعدة أن فوز عون لا يمكن أن يكون مطابقاً رقمياً لفوز عام 2005. وإذا خسر عون المقعد تكون المنظومة نفسها قد ربحت ضرب التمثيل المسيحي لعون، وتكريس فريقها «أكثرية حقيقية لا وهمية».
ما الذي يمكن أن يعترض هذه الحسابات السلطوية حتى اللحظة؟ أربعة مواقف تبدو مغايرة للرياح الحريرية. أولها ما صدر عن بكركي أول من أمس، والخلوة التي جمعت البطريرك وإميل لحود، رغم «الطرق» الذي مورس على الصرح في الأيام الماضية، وبواسطة أكثر الأعيرة ثقلاً. ثانيها الصمت الدولي حيال الخطوة حتى الآن، وغياب أي تأييد مباشر لها. ثالثها التحفّظ الواضح الذي أبداه الرئيس أمين الجميل، إن لجهة رفضه الإيقاع بينه وبين بكركي، أو لجهة تأكيده أن «على الحكومة أن تجري كل الاتصالات لتذليل العقبات الدستورية أمام إجراء الانتخابات».
ورابعها وآخرها، الاتصالات الجارية على الساحة المتنية، التي يمكن ــــــ في حال نجاحها ــــــ أن تُجهض المخطط الحريري للمسيحيين.
أي من الحسابين سينتصر؟ أسابيع قليلة لتبيان الأمور.