البقاع ــ عفيف دياب
«أحداث الضنية» كشفت العلاقات التنظيمية بمجموعات «جهادية» في العراق

تتواصل في البقاعين الأوسط والغربي عمليات المداهمات الأمنية التي تستهدف مجموعات في تنظيمات إسلامية متشددة، أو يعتقد أن لها علاقات تنظيمية بفروع «القاعدة في بلاد الشام». وألقت المداهمات والتوقيفات، وما نجم منها من اعترافات وأدلة حسية على عمل هذه المجموعات، الضوء على ظاهرة الحركات «السلفية الجهادية» التي بدأت تتسرب الى بعض القرى السنية في البقاع التي لم تستوعب بعد هذه «الحركات» لاعتبارها حتى اللحظة غريبةً عن عاداتها وتقاليدها دينياً واجتماعياً وسياسياً.
ويزداد حضور «المجموعات السلفية الجهادية» قوةً وفعاليةً منذ سبعة أعوام تقريباً، ولا سيما بعد ما بات يعرف بـ«أحداث الضنية»، إذ تبين وجود سلفيين منظمين في مجموعات مسلحة ارتبطوا بحركات سلفية في شمال لبنان، أو في مخيم عين الحلوة، وتمكّن بعضهم من بناء علاقات تنظيمية مع مجموعات جهادية في العراق بعد الاحتلال الأميركي، فتوجّه عشرات الشبان البقاعيين الى «الجهاد» في بلاد الرافدين، وسقط بعضهم في عمليات عسكرية ضد الجيش الأميركي.
إلا أن علماء ومراجع دينية يؤكدون أن الوجود المتنامي للحركة السلفية في البقاع منذ ما قبل الانسحاب السوري عام 2005، لا يزال محدوداً و«تحت السيطرة»، وإن كان بعضها ظهر في صورة إعلامية أكبر من حجمه. ويرى هؤلاء أن نمو «السلفية القتالية» في صفوف الشباب المسلم في البقاع «لا يزال ضمن الإطار الفردي، ولا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة في بعض القرى كمجدل عنجر وكامد اللوز وعرسال والرفيد والمنارة والقرعون ومجدل بلهيص والمرج وغزة، وهم، بالتالي، لا يشكلون قوة يجب أخذها في الاعتبار، لأن تأثيرهم، حتى اليوم، يعتبر محدوداً جداً». بيد أنهم يدعون الى «التحسب لحركة نموهم في هذه الأيام وقراءة تطورهم الكمّي والنوعي بعيداً من لغة القمع والقهر».
وفي مقابل هذا «الاطمئنان» الى محدودية انتشار «السلفية الجهادية» في البقاع، تبدي أوساط إسلامية في البقاع الأوسط قلقها، وتعتبر أن ما جرى الكشف عنه من خلال التوقيفات الأمنية الأخيرة «يشير الى وجود سلفية جهادية متنامية ومتمكنة ولها حركة هادئة في أوساط سنّة البقاع، مستغلة واقعهم الاجتماعي والاقتصادي». وتوضح هذه الأوساط: «المجتمع السنّي البقاعي محافظ ومعتدل، والغلبة فيه للتيار السلفي المدرسي والدعوي، لا التكفيري أو الجهادي. ولكنه أصبح خلال السنوات السبع الماضية مخترَقاً من مجموعات تكفيرية. والمتابع لحركة نموها يلحظ أن الاختراق لم يكن من شباب محلي أو لبناني، أو من تنظيمات سلفية لبنانية، بل من مجموعات عربية أو من أشخاص كانوا في الخارج، وجدوا في البقاع وقراه السنية تربة خصبة لنشر أفكارهم التكفيرية».
ويطمئن مرجع ديني كبير في البقاع، في حديث الى «الأخبار»، إلى أن أبناء القرى السنية «ملتزمون دينياً، ولكنهم لا يتأطّرون أو ينتظمون في حركات حزبية إسلامية لها أفكار وتوجّهات غريبة عن عاداتنا وتقاليدنا، وهم عامة لا يجدون أنفسهم في تنظيمات حزبية متشددة، سواء كانت إسلامية أو يسارية أو حتى قومية. لكننا لا يمكن أن ننكر وجود بعض الشباب المتحمس الذي يُستغلّ من بعض الجماعات المتشددة أو السلفية القتالية».
ولكن هل تمكّنت «السلفية الجهادية» من ترسيخ وجودها في البقاع؟
يقول «الشيخ أبو أحمد»، وهو أحد المقربين جداً من مجموعات «جهادية» ومتابع دقيق لحركة تطورها في منطقة البقاع، ولبنان عموماً، إن «السلفية الجهادية» في البقاع «شهدت دفعاً إثر أحداث الضنية واكتشاف علاقة بعض الشباب في المنطقة بقيادات سلفية جهادية كانت تتخذ من الضنية وعين الحلوة مقراً لها. ثم تأطّر وجودها بعد وصول مصطفى رمضان المعروف باسم «أبو محمد اللبناني» الى مجدل عنجر من الدنمارك حيث عاش فترة طويلة، وكان عضواً في تنظيم «القاعدة» في أفغانستان. ولكنه لم يجد أرضاً خصبةً للجهاد بعد اعتقاله في لبنان إثر أحداث الضنية عام 2000، فغادر الى العراق بعد احتلاله». وأوضح أن «أبو محمد اللبناني» كان «العلامة الفارقة في تطوير الفكر السلفي الجهادي في البقاع، وهو توجّه الى العراق مع مجموعة من اللبنانيين، وأصبح لاحقاً مساعداً لأبي مصعب الزرقاوي، واستشهد أمام سجن أبو غريب خلال مواجهة مع القوات الأميركية مع رفيقه أبو أنس الشامي (مفتي «القاعدة» في العراق)، فيما استشهد من المجموعة اللبنانية 4 أشخاص من مجدل عنجر والمنارة والقرعون، ومن ثم استشهد نجل أبو محمد في بغداد لاحقاً».
وتابع «الشيخ أبو أحمد» أنه «بعد استشهاد أبو محمد، جفّ نبع السلفية الجهادية في البقاع، ولم يعد لها من تأطير تنظيمي محلي، ثم أُصيبت بنكسة كبيرة إثر استشهاد إسماعيل الخطيب تحت التعذيب في زنازين السلطة اللبنانية عام 2004، وهو كان الوحيد الباقي من مجموعة أبو محمد اللبناني، وبغيابه يمكن القول إن السلفية الجهادية في البقاع لم تعد قائمة كحركة تنظيمية، الى أن ظهرت أخيراً خليّة لتنظيم القاعدة في بر الياس، وهي خلية سلفية جهادية ليست لبنانية أو من منبع بقاعي».
ويؤكد أن «قوى خارجية تستخدم مجموعات سلفية قتالية بأسلوب استخباري، وأن المجموعات السلفية في لبنان أصبحت مخترقة من أجهزة استخبارات متعددة، فالشباب الملتزم بالسلفية الجهادية لا يعتبر لبنان اليوم أرضاً خصبةً للجهاد، وإذا استخدم بعضهم البندقية هنا، فإنه يكون قد استخدمها في الموقع الخطأ، وأنصحهم بأن يقرأوا جيداً اجتهادات المفكر الأساس للسلفية الجهادية أبو محمد المقدسي (عصام البرقاوي) المسجون حالياً في الأردن، والذي يقول إنه عندما يسمح لنا الواقع بالجهاد والقتال فعلينا أن لا نتأخر (...) وواقع لبنان اليوم، والبقاع تحديداً، لا يسمح للسلفية الجهادية بالقتال هنا».