إبراهيم الأمين
سعد الحريري يريد الحوار بأي ثمن وبأي شكل وعلى أي مستوى. هذا ما فهمه عمرو موسى والوفد المرافق من زعيم كتلة «المستقبل»، وهو ما نقله الأمين العام للجامعة العربية إلى رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وسوف ينقله الى قيادة حزب الله أيضاً. لكن الانطباع القائم عند أركان قوى المعارضة ليس إيجابياً، لا بل إنهم يرون فيه محاولة جديدة لتضييع الوقت من جانب فريق الأكثرية للوصول الى استحقاقات نيابية ورئاسية من دون أن تكون المعارضة قادرة على المبادرة أو أن تكون مبادرتها مقيّدة، وهو ما فرض في المشاورات الجارية من دون توقّف بين قادة المعارضة التفاهم على لغة واحدة مع الوفد العربي وتأكيد أنه لم يعد هناك من مجال لمنح الآخرين المزيد من الوقت لأجل تضييعه.
ويلفت دبلوماسي عربي متابع للاتصالات إلى أن الصعوبات القائمة ليست من النوع العادي، وأن التفاوت في الأفكار التي يسمعها الوفد العربي بات من النوع الذي يشير الى جولة جديدة من المواجهات، ويعترف الدبلوماسي بأن الأمور لم تعد مرتبطة فقط برغبات أو حتى بقدرات الأطراف اللبنانية فقط، وأن المسؤولية الخارجية قائمة وهي ليست موزعة على جبهة سوريا وإيران فقط، بل أيضاً على الجبهة الأميركية والسعودية، كما يعترف الدبلوماسي بأن التفويض الموجود بيد موسى والوفد المرافق له لا يسمح بفرض وجهة وضمان الحصول على دعم كامل من الأطراف الخارجية لتنفيذها. وهذا ما يقلّل من فرص النجاح، وهو ما دفع بموسى الى التكتم بقوة على ما في جعبته من أفكار، لأن الأمر قد ينتهي به عند حدود ترتيب استنئاف الحوار دون برنامج مسبّق، وهو الأمر الذي يواجه معارضة قوية من بعض الأطراف.
وحسب ما هو متداول من معلومات، فإن فريق 14 آذار يريد أن تكون أي خطوة جديدة بشأن الملف الحكومي مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بجدول أعمال يقوم على قاعدة الضغط على سوريا، وأن يتم التسليم المسبّق من جانب قوى المعارضة بإجراءات لبنانية ودولية في ما خص ملف الحدود من جهة وملف السلاح الفلسطيني من جهة ثانية، ويتردّد هنا بقوة أن فريق 14 آذار يناقش الآلية التي تجبر الجيش على المضي قدماً في معاركه القائمة حالياً، وأن ينتقل فوراً من نهر البارد الى أماكن أخرى ومخيمات أخرى منها برج البراجنة في بيروت والناعمة في الشوف وقوسايا والحلوة في البقاع وعلى الحدود مع سوريا، حتى إن مصادر أمنية واسعة الاطّلاع حذرت من حصول إشكالات أمنية مدبّرة في هذه الأماكن بقصد جر الجيش ملزماً نحو خوض معارك شبيهة بما يحصل في نهر البارد لكن باستهداف تنظيمات من قوى التحالف الفلسطيني التي تعمل خارج منظمة التحرير الفلسطينية، وثمة من يؤكد أن قيادة الجيش رفضت هذا الأمر مسبّقاً وأنها أبلغت من يهمه الأمر أنه لا مجال لمعركة جديدة حتى لو حصلت مواجهة غير متوقّعة بين مجموعات من هذه المواقع وعناصر من دوريات تابعة لقوى الأمن الداخلي.
الأمر الآخر الذي تريده قوى 14 آذار هو إعادة الحوار الى نقطة الصفر لناحية الحديث عن الضمانات التي على المعارضة أن توفّرها لعدم استقالة الوزراء من جديد أو تعطيل العمل الحكومي، وهو ما يدفع البعض مثل سمير جعجع الى الحديث عن أن التنازل في ملف الحكومة يعني انهياراً، وما يليه من كلام لأقطاب من 14 آذار بينهم وليد جنبلاط عن أن العلاج يتم فقط من خلال عودة الوزراء المستقيلين الى الحكومة الحالية وكفى الله المؤمنين شر القتال.
أما المطلب الإضافي من فريق 14 آذار فيتعلّق بالملف الرئاسي والقول إن تأليف حكومة جديدة يجب أن يترافق مع ضمانات بفتح المجلس النيابي أمام عمل تشريعي يقر ما سبق أن اتخذته حكومة الرئيس فؤاد السنيورة من قرارات، قبل أن يصار الى ترك الملف الرئاسي يتم من دون تدخل، وأن على المعارضة التعهد بعدم تعطيل نصاب جلسة الانتخاب وإذا فعلت ذلك فإنه يجب ترك الأكثرية تجري انتخابات بنصاب لا ينحصر فقط بتأمين الثلثين.
يعرف عمرو موسى أنها مطالب تعجيزية، وهو الأمر الذي يعرفه الآخرون من الذين يعملون معه من الدول العربية، ولكنه يريد جسر الهوة من خلال العودة الى عناوين مبادرته السابقة علماً بأنه ارتاح من همّ المحكمة الدولية، لكن موسى لم يكن حتى مساء امس يملك إجابة عن سؤال المعارضة له: إن كانت حجة الاكثرية في رفض صيغة 19 مقابل 11 محصورة في منع من يريد عرقلة إقرار المحكمة، فما هي الحجة الآن؟
طبعاً يعرف موسى أن الملف يتجاوز هذه الحدود، وهو يدرك أكثر من غيره حجم الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة الاميركية مباشرة أو من خلال الرباعية العربية، وبمعزل عن موقفه الشخصي فهو لا يجد أمامه من علاج آني سوى الدعوة الى استئناف الحوار. وهو يفترض هنا أنه لن يرفض أحد مبدأ الحوار ولكن وفق أي برنامج؟
من جانب المعارضة لا تبدو الأمور معقدة كثيراً، إذ إن الدعوة الى الحوار سوف تقابل بكلام واضح، مثل أن الحوار سبق أن جرب سواء من خلال الطاولة الموسعة أو من خلال اللقاءات الثنائية التي جمعت الرئيس بري والنائب الحريري، والتي انتهت دوماً الى تراجع فريق الأكثرية عن تعهدات سابقة، والى عدم تدخل الوسيط العربي للعب دور في حماية ما يتفق عليه، وبالتالي فإن بري لا يجد تعبيراً أفضل من المثل الشعبي «من جرّب المجرب عقله مخرب». أما حزب الله فلا يبدو أنه مضطر ليزيد على ما يقوم به رئيس المجلس، بينما يستعد العماد ميشال عون لمصارحة الوفد العربي بأن المهل المفتوحة لحوار غير مضمون النتائج لم تعد متوافرة، وأن أمام الوفد العربي مهلة للحصول على تعهدات واضحة من جانب فريق 14 آذار، وأن هذه التعهدات تقتضي أن يصدر بيان رسمي عن تكتل قوى الأكثرية مجتمعة يقر بإقرار حكومة الوحدة الوطنية على قاعدة تمنح المعارضة تمثيلاً يناسب حجم تمثيلها في المجلس النيابي، وأن يكون ذلك وفق آلية واضحة وأن يتم الامر خلال مهلة زمنية لا تتجاوز أسبوعين أو ثلاثة أسابيع على أبعد تقدير.
هذا الموقف المتوقع من جانب المعارضة هدفه قطع الطريق على محاولة جديدة من جانب فريق 14 آذار لتمييع الوساطات العربية من جهة ولاتهام المعارضة بأنها لا تريد الحوار، وللوصول بالبلاد الى مرحلة يصعب فيها معالجة شيء، وهو الأمر الذي ترفضه المعارضة التي تجد نفسها أمام خطوة الحكومة الثانية ولو كره الكارهون.