بعلبك - عُبادة كسر
ينسحب القلق إلى بيوت مدينة الشمس هذه الأيام. الخوف على الجيش هو الهَمّ الذي يجمع كل ألوان الطيف في بعلبك، حيث لا يخلو منزل من وجود واحد أو أكثر من العائلة في صفوف الجيش.
تقضي السيدة و.أ. كل وقتها على نشرات الأخبار، على المحطات المحلية والفضائية. في حين أنها كانت لا تتابع الأخبار أبداً، تشاهد السيدة الأخبار بتوتر مترافق مع رجفة لاإرادية في أطرافها. ويعود السبب إلى أنها والدة مجنّد في الجيش يقاتل في مخيم نهر البارد، وبغصّة وحرقة تقول: «بحياتي ما تابعت أخبار، أنا الآن مضطرة لذلك لأطمئن على ابني، الله يحميه ويحمي رفاقه». وتتابع باكية «فقدت زوجي في سن مبكرة، وابني الأكبر مهاجر إلى كندا ولم يبق لي في الدنيا إلا علي». أكثر ما يقلق هذه السيدة من أخبار عندما تنعى قيادة الجيش شهداء وتقول: «ينتابني الهلع والجنون عندما تنعى قيادة الجيش شهداء، فيشتعل قلبي بنار حتى أطمئن على إبني، لكن الحزن لم يفارقني على الشهداء الذين ذهبوا في المعركة، وأخيراً ما عساني إلا قول: كلنا فدا الوطن». ينسحب المشهد ذاته إلى بلدة حدث بعلبك، حيث يطالعك مشهد تجمهر حشود من الناس في وداع رقيب من آل زعيتر بعد أن غاب عن أهله لمدة شهر ليحصل على مأذونية 24 ساعة تفقََدّ فيها أقاربه. قاتل في مخيم نهر البارد وأصيب بشظايا في وجهه (سببت له خدوشاً بسيطة). فالمشهد درامي جداً، الأم السبعينية تترجى ابنها بأن لا يعود، إلا أنه يرفض ويركب السيارة وعيناه تحدقان إلى الخلف، تتابعان الأم القلقة التي تركض وراء السيارة وتحمّله أمانات، قائلة: «انتبه على حالك، وما تنس تتصل فيّ كل يوم والله يحميك ويرضى عليك». وما ان تغيب السيارة عن الأنظار حتى تنهار الأم وتقع على الأرض، وسيول الدموع تجتاح وجنتيها، متسائلة: «يا ترى بعد فيّ شوفو مرة ثانية». هذه الحال لم تبتعد عن منزل الزميل عبد الرحيم شلحة الذي يعيش هو وعائلته حالة من التوتر والقلق على ابنه الأصغر غالب الذي يقاتل في صفوف المغاوير، ويقول شلحة: «شعور القلق ينتاب كل والد وعائلة جندي موجود في المواجهة مع قوة ظلامية، وينتابني الشعور بالقلق أكثر لأن القوى التي تقاتل الجيش هي بتصنيفها السياسي قوى معادية». ويضيف: «ارتُكب بحق الجيش اللبناني جريمة كبرى، وخصوصاً أن الجيش لا يزال يشكل ضمانة للوحدة الوطنية بعدما عمّ الخراب كل المؤسسات». ويقول شلحة: «تعيش زوجتي قلقاً قَلّ نظيره، فهي تتابع أكثر من مئة نشرة أخبار في اليوم وتحاول أن تحدث غالب على هاتفه الخلوي مرات كثيرة في اليوم، فإذا تبين لها أن خطه مقفل ينتابها الهلع والرعب، غير أن غالب يضع نغمة خاصة لرقمي فإذا تمكن من الإجابة يفعل، وفي أغلب الأحيان لم يتمكن بحكم المعارك والصدامات». ويبدي شلحة قلقاً على الدم والشهادة في ظل التشرذم الداخلي، ويقول: «من المؤسف أن الذين يستشهدون في صفوف الجيش لم يُحموا من النظام السياسي الحالي، تركوا الجيش مكشوفاً للعراء بدون وحدة وطنية». ويزيد: «ما يُحزننا أكثر اليوم هو القلق الذي سبّبه طرف يدّعي شعار فلسطين، لكنه بعيد كل البعد عن ذلك».
بدورها، تقوم مطرانية بعلبك للروم الكاثوليك يومياً برفع الصلاة لحماية الجيش وانتصاره. وفي هذا الصدد يقول المطران الياس رحال: «كل يوم نصلي لأجل الجنود. وفي ذبيحة القداس نذكرهم لأنهم يضحّون ويقدمون حياتهم في سبيل بقاء الوطن حراً ومستقلاً، وهم يدافعون عنه ويموتون في سبيل الشعب اللبناني، وليسوا لفئة خاصة». فيما يرى رئيس بلدية بعلبك السابق غالب ياغي: «بعلبك الوفية بتاريخها الوطني والنضالي تستنكر بشدة، وتدين بأقصى العبارات المؤامرات الدنيئة التي يتعرض لها الجيش». ويضيف: «إن جميع الشرفاء في بعلبك يعلنون وقوفهم إلى جانب جيشهم في التصدي لكل ما من شأنه تهديد استقلال وطنهم وسلمه الأهلي».