عرفات حجازي
إشكالية جديدة انضمت إلى ملف الخلافات بين القوى السياسية، مفادها: من عرقل مهمة الوفد العربي وأفشل مساعيه؟ فما إن طار الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى والوفد المرافق من بيروت، حتى اشتعلت حرب الاتهامات، فراح كل فريق يقذف بكرة التعطيل إلى ملعب الفريق الآخر، وينسج وقائع وتفاصيل عن جولات الحوار والمواقف والشروط التي كانت تطرح خلالها.
وبعيداً من الروايات الكثيرة التي سُرِّبت، بإتقان، إلى وسائل الإعلام، والتحليلات المتناقضة للقاءات التي عقدت مع موسى الذي فضّل التكتم على الكثير مما جرى، واكتفى بكشف القليل منه، لا بدّ من سرد بعض الوقائع الموثَّقة، وشهودها كثيرون من أعضاء الوفد العربي.
فمنذ وصول موسى وفريقه إلى بيروت، بدا واضحاً أن فريق السلطة يريد إثقال مهمته بالكثير من القضايا والعناوين، عبر إعلانه أن المهمة تنحصر، تحديداً، في موضوع الحدود وتهريب السلاح والمسلحين ومسائل الإرهاب وملف السلاح الفلسطيني خارج المخيمات. والهدف واضح: الوصول إلى نشر قوات دولية على الحدود مع سوريا. لكن مع إدراك هذا الفريق لصعوبة هذا الطرح في ضوء الرسالة السورية العاجلة بإقفال أحد المعابر الفرعية، عدل هؤلاء عن موقفهم وانتقلوا إلى الشأن الداخلي مشترطين لقيام حكومة وحدة وطنية الحصول على ضمانات بعدم استقالة وزراء المعارضة وبتأمين نصاب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية من دون توافق مسبق على شخص الرئيس، مع ما في ذلك من إقرار واضح بأن نصاب جلسة الانتخاب هو الثلثان، فيما وجدت المعارضة في هذا الشرط دعوة الى تسليم مصير الاستحقاق إلى الأكثرية لتنتخب واحداً من صفوفها، وفي هذا خروج على مبدأ التوافق ومحاولة لقنص الفرصة بوضع اليد على الرئاسة، فضلاً عن أن هذه المقايضة تنمّ عن خفة سياسية «أعطونا رئيساً لست سنوات نعطكم حكومة لشهرين».
وفي منطق متماسك، ردّ أقطاب المعارضة على هذا الطرح، وعرضوا أمام الوفد العربي صورة شاملة لمسار الأزمة، وأنه بعد إقرار المحكمة الدولية، فإن المعالجة المنطقية تقود إلى اعتبار أن حكومة الوحدة هي المخرج من الأزمة وملتقى للحوار بين الطرفين ومنطلق وفاقي لإدارة شؤون البلاد ومنع وقوعها في الفراغ إذا تعذر إنجاز الاستحقاق الدستوري. وسجلت المعارضة أمام الوفد تراجع الأكثرية عن التعهدات التي أعطتها للسفير السعودي عبد العزيز خوجة قبل اغتيال النائب وليد عيدو بالقبول بحكومة 17/13، ومع ذلك قبلت المعارضة بمعادلة 19/11 تسهيلاً لمهمة الوفد، لتكتشف لاحقاً أنه في مقابل موافقتها على استئناف الحوار وفق جدول أعمال محدد تعطي الأكثرية ضمانة بملحق سري بتشكيل حكومة وحدة وطنية، وهو أمر رفضته المعارضة على الفور لعدم ثقتها بأن الحوار سيوصل إلى نتيجة في ضوء التجارب السابقة، من دون أن تخفي قلقها من أن يكون الحوار مضيعة للوقت حتى بلوغ الاستحقاق الرئاسي فتكون حينها فاقدة للمبادرة. وإذ تمسكت المعارضة بحكومة الوحدة الوطنية وتحوّلها بعد قيامها إلى طاولة حوار تناقش وتنفّذ ما يتفق عليه، وتعهدت تهيئة الأجواء للاستحقاق الرئاسي وفق الأصول الدستورية التي تقود حتماً إلى التوافق، لأن أياً من الفريقين لا يملك التحكم بمسار انتخابات الرئاسة، فإن الرئيس نبيه بري، المفوّض من المعارضة، تعهد، في موازاة الاتفاق على تأليف الحكومة، الاعلان في مؤتمر صحافي التزام إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها وإيصال مرشح توافقي، وتبني كل ما تم التوافق عليه على طاولة الحوار وتنفيذ المقررات والتزام منطوق القرار 1701 والمهمات التي حددها لقوات الطوارئ الدولية. ولكن خارج هذه الحدود، ترفض المعارضة إعطاء الضمانات، علماً بأنها من يحتاج إليهما لأنها في موقع المهدّد وعلى قاعدة التعامل بالمثل، فكما كانت الأكثرية تقول بأنها لا تثق بالمعارضة قبل حصولها على المحكمة الدولية، لا تثق المعارضة بالموالاة قبل حصولها على حكومة وحدة وطنية.
وتستغرب المعارضة اصرار الأكثرية على الربط بين الحكومة والرئاسة، وترى ذلك تحويراً لجوهر المبادرة العربية، فلكل استحقاق ظروفه وتوقيته ومعطياته، كما أنها تقرأ في هذا الربط رضوخاً للإدارة الأميركية، وقد جاء تصريح السفير الأميركي جيفري فيلتمان فاضحاً في دلالته وفي استفزازه عندما قال «إن المسعى العربي لا يعنينا»، مركزاً على موضوع الإرهاب وتهريب السلاح والمسلحين من الحدود السورية، ما يعني رضوخ الأكثرية للتعليمة الأميركية برفض مبدأ الشراكة، وإبقاء الوضع في دائرة المراوحة حتى لا تفقد الإدارة الأميركية الورقة اللبنانية واستخدامها في سوق المساومات التي بدأت مع طهران ودمشق وتوظيفها في اتجاه الضغط على العاصمتين لتسهيل خروجها من المأزق العراقي بأقل الخسائر الممكنة.