إبراهيم الأمين
يبدو أن الجامعة العربية قررت الانضمام الى فريق 14 آذار في موقفها من الأزمة اللبنانية، وبحسب مصادر متابعة فإن الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى الذي خرج من لبنان منزعجاً من رئيس المجلس النيابي نبيه بري يُعدّ تقريراً بالتشاور مع وزراء خارجية السعودية وقطر وتونس عن نتائج زيارته الى لبنان، حيث تسربت معلومات أوّلية عن وجهة التقرير التي تقول إنه ينوي تحميل فريق المعارضة مسؤولية فشل الوفد في تحقيق اتفاق على إطلاق الحوار.
ومع أن ما كشف عنه في شأن الخلافات حُصر عملياً في ما عُرف بالملاحق السرية من جهة، وبالضمانات الشروط من جهة ثانية، فإن نقطة الخلاف المركزية كانت على آلية تأليف حكومة جديدة، وتوزيع الحقائب، وتحديد مسبّق لقاعدة توزّع الحصص فيها. وكانت نقطة التفاهم الوحيدة هي التي تقول إن النقاش ينطلق من حيث انتهى إليه السفير السعودي، مقابل إصرار المعارضة على حصة الـ13 وتثبيت البيان الوزاري. فيما تقول الموالاة إنها تريد منح المعارضة 11 مقعداً مقابل شرط بعدم الاستقالة من الحكومة.
فما الذي حصل مع السفير السعودي؟
بعد صدور قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1757 بإقرار المحكمة الدولية تحت الفصل السابع، باشر السفير السعودي في لبنان عبد العزيز خوجة جولة على عدد من القادة السياسيين في فريق 14 آذار. وتركّزت محادثاته مع الرئيس فؤاد السنيورة والنائب سعد الحريري، انطلاقاً من اعتبار إقرار المحكمة مفصلاً مهماً، وبعد وقت قصير بعث برسالة الى الرئيس نبيه بري يعرض فيها معاودة الحوار في سبيل تأليف حكومة وحدة وطنية على قاعدة تحقيق مطلب المعارضة بشأن المشاركة الفعلية ودون شروط سياسية مسبّقة، وعلى أثر الاقتراح، جرت مشاورات بين قيادتي حركة أمل وحزب الله، واتفق مع السفير السعودي على عقد اجتماع تم مساء الخامس من حزيران الجاري بين خوجة والنائب علي حسن خليل والحاج حسين الخليل، واستمر وقتاً غير قصير، وحسب مصادر معنيّة فإن هذا الاجتماع كان أساس الحركة اللاحقة التي سبقت وصول وفد الجامعة العربية.
حسب محضر هذا الاجتماع فإنه بدأ بـ«عتاب من الوفد على تأخّر التحرك السعودي وإدارة الظهر للآخرين وخصوصا أنه كان يعوّل كثيراً على مساعدة سعودية مكثّفة لدعم المبادرات الإيجابية ولا سيّما تلك التي قام بها الرئيس بري والتي أُفشلت بطريقة دفعت برئيس المجلس إلى ما عُرف ببقّ البحصة، وخرجت أنت يا سعادة السفير وأيّدت ما قاله الرئيس بري»
ردّ الخوجة بـ«أنني سعيت بقوة وبجهد كبير لمنع ما حصل، وارتفع الصوت حتى مرحلة الصراخ في اجتماعات لي مع قادة في فريق 14 آذار، وهم لديهم عتب عليّ في هذا المجال، لكن علينا ألّا نستسلم لليأس وأن نعمل جميعاً لنُرضي الله وضميرنا. واليوم نحن تجاوزنا مرحلة خطيرة وحرجة للغاية تمثّلت في موضوع المحكمة الدولية، مع أننا كنا نأمل أن يتمّ الأمر بطريقة مختلفة وعبر الأُطر اللبنانية، وكان الوضع صعباً جداً، وكنت اضطرّ إلى السفر الى السعودية 4 مرات في الأسبوع في بعض الأحيان، والآن حصل ما حصل، وهو حمل ثقيل ارتحنا منه وعلينا التعامل بواقعية أكبر. صحيح أن المحكمة أُقرّت تحت الفصل السابع، لكن يجب أن نتعامل مع الأمر الآن على أساس أنها ليست تحت الفصل السابع. نحن في هذا الوقت نتحرك، وإيران تتحرك أيضاً باتجاه تحقيق المصلحة الأكبر. لبنان يواجه اليوم استحقاقات كبيرة والبلد يمكن أن يذهب الى الفوضى وهو تهديد حقيقي، والسؤال هو كيف نُخرج لبنان من هذا المأزق؟، أنا أودّ أن ألتقي الرئيس بري والسيد حسن لأقول الكثير».
وأضاف خوجة: «أُصارحكم القول بأنني جلست مع الإخوة في فريق الموالاة، مع الشيخ سعد ومع الرئيس فؤاد السنيورة ومع النائب نسيب لحود وسوف ألتقي قريباً النائب جنبلاط وآخرين، ولدى من التقيته الاستعداد الكبير ومن دون أي مواربة وهم حاضرون لمدّ اليد بصدق ووضع الكتف على الكتف لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وأنا أعتقد أنه إذا حصل اللقاء في ما بينكم فإنّ الله سوف يكون معنا لإنقاذ لبنان».
وتابع: «أنا ذهبت الى الرئيس السنيورة وقلت له المعارضة تقول إنها تريد المشاركة الفعلية، فلماذا لا نطرح الأمر من جديد، وأن يتم ذلك من دون شروط مسبّقة، ومن دون برامج سياسية ومن دون بيان وزاري وليكن الحل على شكل عودة الوزراء عن استقالاتهم وتوسيع الحكومة ويجري نقاش على توزيع الحقائب، ويتم الأمر من دون استقالة الحكومة حتى لا نواجه خطر عدم قيام حكومة ثانية، وأصلاً أمام هذه الحكومة 3 أو 4 أشهر حتى يأتي استحقاق الرئاسة، وفي فريق الموالاة يقبلون بالعودة الى طرحكم السابق على قاعدة 19 مقابل 11. وبذلك يكون طلب المعارضة قد تحقّق. وقد وجدت بصراحة، عند الحريري وعند رئيس الحكومة كل دعم وتأييد، وقال لي السنيورة: اذهب أنت وناقش الأمر مع الرئيس بري، لأنه لا يريد الاجتماع بي ولا حتى التحادث معي على الهاتف، والأمر نفسه قاله لي الشيخ سعد وهما يكرران استعدادهما للجلوس معكم اليوم قبل الغد. وأنا سمعت البارحة كلام الشيخ نعيم قاسم وقوله تعالوا الليلة اقبلوا بحكومة الوحدة ونتفق، وهو كلام طيب، وأنا قفزت فرحاً عن الكرسي عندما سمعته يقول ذلك. لكن هناك ما يتمناه فريق الموالاة وهو ليس شرطاً، بأن لا تكون هناك استقالة من الحكومة، وأن نعمل على معالجة كل الأمور بهدوء وبعد تأليف هذه الحكومة سوف يكون هناك توافق على الموضوع الرئاسي، وأنا هنا لست مفوّضاً للحديث بالملف الرئاسي لكنني أقول لكم إنهم قريبون منكم وهم يستعدون لحوار في شأن رئيس توافقي، وإن كانت هناك ضرورة للبحث في شروط وشكل اختيار هذا الرئيس».
وختم خوجة مداخلته بالقول: «اسمعوا مني، يجب أن نعمل جميعاً على إنقاذ لبنان بأي صورة، فهناك استحقاقات كبيرة مقبلة على المنطقة وعلينا أن نمنع تأثيرها سلباً علينا، وأن لا تجرف لبنان أو تجعله من جديد ساحة للصراع».
بعدئذ تحدث الخليلان وسمع السفير السعودي: «لسنا هنا في حاجة الى مقدّمات، ولندخل فوراً في صلب الموضوع، كان من الممكن إقرار المحكمة بطريقة مختلفة، وأن يحصل نقاش وتوافق عليها، لكن فريق الموالاة رفض. ومرت أيام قاسية وهناك أزمة ثقة حقيقية، ونحن نريد الحل، لسنا هنا في موقع التعجيز، ولنتصرف بواقعية، ليس هناك من يرفع السيف في وجه الآخر إذ هناك تحديات أمامنا، المهم كيف نعمل لنتجاوز الأزمة الحكومية حتى نصل الى استحقاق الرئاسة مع أجواء هادئة، ولا أحد منا يريد محاسبة الآخر الآن ولا معاقبته بل نريد جميعاً إنقاذ البلد. لقد أتى السفير الفرنسي في بيروت برنارد إيمييه الى الرئيس بري وقال له إن فكرة قيام حكومة على أساس 13 مقابل 17 قابلة للنقاش، وفريق الموالاة لا يمانع حصول النقاش، لكن من دون شروط سياسية مسبّقة، ويبدو أن الفريق في الحكم يريد أن تتولى السعودية المباشرة بالمبادرة لا أي أحد آخر، لا نحن في فرنسا ولا غيرنا. ونحن ندعم الأمر»
وهنا تدخّل خوجة مقاطعاً: «أقول لكم بصراحة أكبر، لقد التقيت أيضاً السفير الأميركي في بيروت جيفري فيلتمان الذي زارني قبل أيام قليلة وسألني عما لدي من طرح، فشرحت له وجهة نظري وفصّلت له ما حصل بيني وبين الحريري والسنيورة فقال لي «أنا موافق وأنا حاضر للدعم وحاضر لبذل ما يمكنني مع قادة في فريق 14 آذار لتسهيل التوصل الى هذا الاتفاق. أما السفير إيمييه فقال إنه مقتنع بما لدي وهو سيساعد من جانبه أيضاً. ثم ذهب إيمييه الى الرئيس السنيورة الذي قال له: نحن نفضّل أن يتم الأمر من خلال السعودية لا من خلال أي أحد آخر، وقد وافق الفرنسيون على ذلك، وها أنا أُكرر المبادرة بأن توسّع الحكومة على قاعدة 19 مقابل 11 ومن دون شروط سياسية، بما في ذلك من دون شرط عدم الاستقالة ومن دون بيان وزاري جديد».
وهنا عاد الخليلان وناقشا مع خوجة «مصير القرارات التي صدرت عن حكومة السنيورة بعد استقالة الوزراء، وهي قرارات بحاجة الى إعادة قراءة وبعضها بحاجة الى إعادة النظر فيه برمته». فردّ خوجة: «حسناً، ما رأيكما في أن نكتب ذلك ضمن الاتفاق ونضع بين قوسين: ما عدا القرارات الخاصة بالمحكمة الدولية» فقيل له: «حسناً، سوف نراجع الأمر مع قيادتنا، لكن نبلغك الآن أننا لم نعد نوافق على قاعدة 11 مقابل 19 بل نريد مشاركة حسب نِسب تمثيلنا في المجلس أي على أساس 13 مقابل 17، وفي حال حصول موافقة على المبدأ نقترح تأليف لجنة مشتركة من الطرفين تتولّى توزيع الحقائب والأسماء وعندما تنتهي من مهمتها يجتمع الرئيسان بري والسنيورة ويتم الإعلان عن الاتفاق»، ثم عقّب خوجة: «حسناً، لكن لديّ سؤال وهو: برعاية من يتم الأمر؟ فأُجيب: أنتم من يتولّى الأمر وليتم برعايتكم».
بعد يوم واحد، تلقّى النائب علي حسن خليل اتصالاً من خوجة يقول له فيه: «لدينا أجوبة على ما طرحتموه، فريق 14 آذار يصرّ على قاعدة 11 مقابل 19 ولا يقبل بصيغة 13 مقابل 17. والسنيورة لا يريد لجنة ثنائية بل حواراً مباشراً بينه وبين بري، لأن توزيع الحقائب والأسماء من صلاحياته وهو لن يفرّط بها، كما أن السنيورة يرفض إعادة النظر في ما صدر من قرارات، وهو يوافق على عدم وجود أي شرط مسبّق، حتى شرط عدم الاستقالة وهو مع تثبيت البيان الوزاري». بعدئذ، اندلعت التصريحات النارية لأقطاب من فريق 14 آذار ولا سيما النائب وليد جنبلاط وقائد القوات اللبنانية سمير جعجع، وردّ خوجة على استفسارات المعارضة فقال: «اتركوا جانباً كل ما يصدر من كلام ومن مواقف، نحن نضمن لكم تأليف حكومة وحدة وطنية على أساس 11 مقابل 19 ومن دون شروط مسبّقة».. ومن ثم حصل ما حصل وجاء عمرو موسى!.