strong> راجانا حميّة
ربّما كان الشعور الذي ينتابك أثناء دخول مركز سرطان الأطفال في لبنان، في فترة الامتحانات الرسميّة، وسؤال الشباب عن مدى سهولة أو صعوبة الأسئلة المطروحة، هو الأمر الصعب في حدّ ذاته. تضطر، أثناء الدخول إلى «هناك»، إلى اقتحام خصوصيّةٍ قد لا يحبّذ صاحبها اطّلاع «الآخر» عليها، ولكنّك «تخرق» وتدخل... لحظة الدخول تشبه إلى حدٍّ كبير رهبة المشاركة في امتحان، مع ما يرافقها من آلامٍ في المعدة وتوتّر وخوف من المراقبة. تسير بين الغرف، تراقب الشرود في عيون الأولاد... والأمّهات، تشعر بالضياع لكنّك تكمل الطريق إلى غرفة الاجتماعات في الطبقة العاشرة، حيث يجري سبعة طلّابٍ امتحانات الثانوية العامّة. في العاشر، قبل الدخول إلى قاعة الامتحانات، ينتظر الأهالي بصمتٍ خروج أبنائهم من الامتحان. قد يخرجهم عن ذاك الصمت صوت المتطوعة في المركز ليليان أبراهاميان التي لا تتوانى عن الحركة ورفع المعنويات. ولكن ثمّة من فضّل السكوت وعدم الخوض في التفاصيل، مكتفياً بتصفّح الجرائد. أمام مركز الامتحان (قاعة المؤتمرات في الحالات العاديّة)، يتجدّد شعورك بأنّك أمام أيّ مركز آخر، حيث وقف عنصران من القوى الأمنيّة للحراسة وتفتيش المرشّحين لمنع إمرار بعض الأوراق إلى الغرفة، والداخل إلى المركز والخارج منه. داخل الغرفة، التي لا تشبه في تفاصيلها المراكز الأخرى، يجلس ستّة طلاب في الاجتماع والاقتصاد (جوزف، ربى، رفيق، سارة، حسن، وسادسة من الآداب والإنسانيات رفضت ذكر اسمها) في أمكنةٍ اختيرت عشوائياً تحت إشراف المربي محمّد زعيتر والمراقبة العامّة آمال خريس. يحاولون قدر المستطاع الإجابة عن الأسئلة المطروحة قبل انتهاء الوقت المحدّد، إلّا عليّاً الذي يكتفي باحتضان ورقة الأسئلة بين يديه، ومراقبة سحر سرحان (مدرّسة مادّة الكيمياء في ثانويّة عبد الله العلايلي والمنتدبة من قبل دائرة الامتحانات في وزارة التربية والتعليم العالي لمساعدة علي على الكتابة) وهي تكتب ما يمليه عليها. لا يخفي علي معاناته مع المرض الذي أصابه وهو في عمر الثامنة، فقد حرمه الكثير من الأشياء، ولا سيّما التركيز على الدراسة. ويعترف علي بأنّه فكّر كثيراً قبل استكمال الدراسة، لأنّه فضّل في ذلك الوقت أن ينهي العلاج ويرتاح من «أجواء المستشفيات».
علي، لم يكن الوحيد الذي نجح في تحدّي قدراته، فقد أقسمت ربى قبله عندما علمت بمرضها أنّها لن تكمل الدراسة، وذلك تحت تأثير الصدمة، إلاّ أنّها سرعان ما استعادت ثقتها «بما بقي من حياتها» وأنهت اليوم الأوّل من امتحاناتها كما أرادت.
أمّا جوزف، الخارج حديثاً من العلاج الكيميائي، فلم يقوَ على احتمال رهبة الامتحان، فقد أصيب بوجعٍ في الأمعاء بسبب الخوف، ممّا حدا ليليان إلى إحضار كوبٍ من الشاي للتخفيف عنه قليلاً. ولكن خوف جوزف بقي محصوراً في مسابقة اللغة الأجنبية، فقد اعتاد الأخير مرضه، كما اعتاد رفيق الذي بات يجده «عادياً»، ويضيف «تأقلمت مع وضعي، وخصوصاً أنّني بتّ في نهاية مشوار العلاج بعدما أمضيت فيه ثلاث سنواتٍ». ويقول رفيق: «كنت أوّل تلميذ أتقدّم إلى شهادة البروفيه في المركز»، وهو اليوم يتحضّر لإكمال دراسته في إدارة الأعمال في الجامعة اللبنانيّة ـــ الأميركيّة.
قد تكون ليليان، شريكة في الطموح والأوقات الصعبة للطلّاب السبعة، وخصوصاً أنّها ترى بعضهم للسنة الرابعة، وقد جهدت لتكون لهم مدرستهم الخاصّة في مكان علاجهم، ونجحت بادئ الأمر في تعليمهم «فشّة خلق وتعويضاً عن حرمانهم مقاعد الدراسة»، إلى أن تحقّق الحلم مع حسّان الداعوق. ناضل الداعوق من أجل منح الشباب فرصة استكمال تعليمهم من دون الالتفات إلى الحاجز الصحّي. لم يتوانَ مدرّس الفيزياء عن المساعدة، وقد نجح في الفترة الأخيرة بإقناع وزارة التربية في اعتماد المركز مكاناً قانونيّاً للامتحانات الرسميّة، وتمّ ذلك منذ ثلاث سنوات. ويطمح الداعوق اليوم، بالتشاور مع المركز التربوي للبحوث والإنماء إلى إعداد منهاج خاص لذوي الحاجات الخاصّة المصابين بالأمراض المزمنة كالسرطان، إضافة إلى إعداد كتبٍ خاصّة لهم تتلائم مع وضعهم الصحّي.