strong> وفاء عواد
يدرك رئيس حزب الحوار الوطني فؤاد مخزومي أن الفترة الفاصلة عن الاستحقاقات المقبلة تحمل كثيراً من العوامل التي لا يستوي معها أي تصرّف يوحي بأن الأوضاع والمواقع محسومة، وبأن قدرة السلطة مطلقة على «سجن» المعارضين في بيوتهم وفرض ما تريد عليهم. ولكن، بالنسبة إليه، خيار الحكومتين بات «أهون الشرّين» لأن «عاصمة الأموات» بيروت لم تعد قادرة على دفع أية أثمان.
تعود به ذاكرته، المثقلة بالتفاصيل، إلى المحطات الانتخابية الثلاث التي شهدتها بيروت بين عاميْ 1996 و2005، وفق عناوين «غاب عنها أي برنامج سياسي واضح وصريح»: ففي عام 1996، خاضها الرئيس الشهيد رفيق الحريري وفق متطلبات «التفويض الشعبي الذي وفّر له الوصول الى سدّة رئاسة مجلس الوزراء». وفي عام 2000، استبق الحريري الاستحقاق بجملته الشهيرة: «بنزّل 18 عصاية، وبطلعن نوّاب»، و«قام غازي كنعان بسنّ القانون الانتخابي لمصلحة الحريري و(النائب وليد) جنبلاط». وفي عام 2005، خاض البيروتيون الانتخابات تحت شعار «مع دمّ الشهيد الحريري أو ضده».
ولأن السياسة تأبى أن تسير إلا وفق «التقويم الانتخابي» حتى إشعار آخر، يستشرف مخزومي «حتمية» أن يخوض رئيس تيار «المستقبل» النائب سعد الحريري الاستحقاق الانتخابي الفرعي المقبل في بيروت تحت شعار «مع أو ضد» جريمة اغتيال النائب وليد عيدو، وطبعاً بـ«إخراج عاطفي بعيد كل البعد عن أي برنامج سياسي، ولا بدّ من أن تدفع بيروت الثمن».
وعلى هامش ما يحمله من «غصّة» لما آلت إليه المقاييس، وتحديداً في مسقط رأسه بيروت، حيث تمّ «تهزيل» الشخصيات السنيّة وإبعادها عن معترك الحياة السياسية، يحذّر من أخذ «البيارتة» الى زعامة قد تجرّهم الى الكوارث والويلات.
وفي هذا الشأن، يبدي المهندس البيروتي، الذي لا ينتمي الى عائلة سياسية تقليدية، أسفه لكون جنبلاط «يلعب دور زعيم السنّة»، متذكّراً كيف «رفع المجرم المتهم بقتل الرئيس الشهيد رشيد كرامي يده، في وسط بيروت، وهو يشير الى الجمهور بعلامة النصر، وعلّقت صوره في الطريق الجديدة، رمز السنّة، وهي التي قدّمت الكثير من أبنائها شهداء في الحرب الأهلية على أيدي القوات اللبنانية».
ومن موقع المدافع عن العاصمة التي «أعطت لآل الحريري كل شيء، منذ عام 1992، من دون أن تأخذ شيئاً في المقابل»، الى موقع المهاجِم الذي لا يرضى بـ«أن تؤخذ بيروت في اتجاهات معاكسة للعروبة والإسلام»، ينطلق مخزومي في تحديد معالم المرحلة المقبلة بسؤال ينتظر جواباً من البيروتيين أنفسهم: «هل يحقّ للحريري أن يعيّن نائباً لبيروت وفق الطريقة القديمة نفسها، وهو ممّن ينادون بشعارات السيادة والحرية والاستقلال والديموقراطية؟».
يأسف لكون بيروت استحالت «مدينة أموات»، إذ «لا وجود للسياحة فيها، بل لصور الشهداء والموتى»، مطالباً بـ«نزع كل صور الموت التي تملأ جدرانها، واستبدالها بصور الحياة. وذلك من أجل تسويق العاصمة كمركز سياحي، بشكل حضاري».
وفي انتظار أن ينقشع الضباب، يشدّد على أن الاستحقاق الانتخابي المقبل يتطلّب «برنامجاً سياسياً يوفّر مصلحة بيروت خصوصاً ولبنان عموماً»، بعيداً من كل ما يمتّ الى «الدم والشهادة والعاطفة» بأي صلة، معلناً أن مشاركة حزبه في الانتخابات رهن توقيع رئيس الجمهورية إميل لحود على مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، إضافة إلى توقيعيْ رئيس الحكومة ووزير الداخلية، وعندئذ «سنخوض المعركة في بيروت بمرشّح يسميه الحزب، وسندعم التيار الوطني الحرّ في المتن».
وانطلاقاً من استشرافه تعذّر مطابقة حساب الحقل على حساب البيدر في ما يختصّ بتأليف حكومة الوحدة الوطنية، يفنّد مواقفه من المسائل السياسية التي تشكّل منافذ الخلاف السياسي الحادّ الذي يعصف بلبنان، ذاهباً بالحلول الى أقصاها، فيشير الى أن احتمال تأليف حكومة ثانية موازية لحكومة «رئيس وزارة السرايا» بات أكثر ترجيحاً من أي وقت مضى، و«على المعارضة أن تشكّلها في أسرع وقت ممكن، قبل نهاية تموز المقبل»، إذ «لم يعد لدينا كلبنانيين أي خيار إلا وجود حكومتين، بما يوفّر مصلحة لبنان واللبنانيين، ويوضح حقيقة الصراع السياسي القائم، ويفرض الحلّ الذي تتطلّبه وحدة الصف السياسي والأمني».
ويحدّد المهندس مخزومي برنامج الحكومة الثانية وفق الآتي: «يكون الامتداد السياسي لها على كل الحدود اللبنانية، من الشمال الى الجنوب، بما يوفّر ضبط أمر الفلتان الأمني الذي لم تقدر حكومة السنيورة عليه، بعدما شرّعت ــــ مثلاً ــــ لعصبة الأنصار التي تمثل التطرّف السلفي الإسلامي أن تكون ضابط الانضباط بين الجيش والمخيمات الفلسطينية في صيدا، فيما الحكومة الحالية تتولّى مسؤولية السرايا والوسط التجاري»، ومن ثم «يُنقل الحوار من مستوى التعاطي السنّي ــــ الشيعي الى مستواه السنّي ــــ السنّي»، في ظل وجود «رئيس سنّي لا يمكن القول عنه إنه أقلّ سنيّة من السنيورة».
وفي هذا الإطار، يلفت الى أن الحكومة الثانية «يجب أن تبقى لفترة انتقالية لا تتعدّى سنة واحدة ــــ إذ لا مصلحة فعلية للبنان في بقائها لمدة طويلة كما حصل أيام الرئيس أمين الجميل ــــ بضمانة الجيش والمصرف المركزي اللذين سيبقيان على الحياد، وبما يمكّنها من إبراز قوتها الفعلية في الشارع اللبناني، سياسياً وبشرياً، وإعطاء الغرب الصورة الحقيقية عن قدرتها المسؤولة، وإعادة صياغة العلاقات السليمة مع سوريا، وصولاً الى إشرافها على سنّ قانون عصري للانتخابات النيابية يعتمد النسبية بما يضمن صحّة التمثيل ويخفّف من آثار قانون الـ2000».
وفي انتظار ما ستؤول اليه الأيام المقبلة، يقف مخزومي على مفترق طرق وفي جعبته الكثير من الطموح لدخول الندوة البرلمانية، ورصيده الحقيقي عمله على مستوى الحزب السياسي الذي يترأسه منذ آب 2004، عدا عن الخدمات التي تقدّمها مؤسّساته على امتداد مساحة لبنان. وهو مفترق قد يؤدي به الى درب مجلس النواب بعد تجربة أولى لم تتح له تحقيق حلمه عام 2000، أو الى «أوتوستراد» رئاسة «الحكومة الثانية» كما يرد في الكثير من التسريبات الإعلامية.