طارق ترشيشي
ما رشح من مناقشات مجلس الأمن الدولي لموضوع المحكمة ذات الطابع الدولي الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، دلَّ على أن إقرار هذه المحكمة تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة أو وفق أي صيغة أُخرى لا يزال غير متاح، وأن المسؤولين في المنظمة الدولية وعدداً من الأعضاء الدائمين وغير الدائمين في مجلس الأمن ما زالوا يفضلون اتفاقاً لبنانياً داخلياً على إقرار هذه المحكمة في المؤسسات الدستورية اللبنانية بديلاً من إقرارها في الأمم المتحدة.
فالصورة في مجلس الأمن الآن هي الآتية:
ـ المندوب الفرنسي جان مارك دي لا سابليير يستعجل إقرار المحكمة تحت الفصل السابع ويرى أن ساعة اضطلاع مجلس الأمن بمسؤوليته «قد اقتربت».
ـ المندوب الأميركي رئيس المجلس للشهر الحالي زلماي خليل زاد يتحدث عن «درس الخيارات الممكنة لمساعدة اللبنانيين، ومنها إنشاء المحكمة تحت الفصل السابع».
ـ المندوب البريطاني يرى أن من المبكر اللجوء الى الفصل السابع لإقرار المحكمة.
ـ المندوب الروسي يرى أن الوقت لا يزال متاحاً لاتفاق القوى السياسية اللبنانية على إقرار المحكمة في المؤسسات الدستورية. ويحذر اللبنانيين من كثرة «اللجوء المنهجي» الى مجلس الأمن،
ويُروى في عدد من المجالس السياسية أن فريق الأكثرية بدأ يراجع حساباته ويردد في بعض أوساطه أنه قد يكون أخطأ التقدير عندما رمى ملف المحكمة ذات الطابع الدولي في ملعب الأمم المتحدة، لأن ذلك ربما أفقده ورقة أساسية في نزاعه مع فريق المعارضة والقوى الحليفة لها. ويُروى أيضاً أن بعض أركان الأكثرية يتخوفون من إقدام الولايات المتحدة على استخدام ملف المحكمة في لعبة المساومات بينها وبين خصومها الإقليميين والدوليين.
لكن أوساط الأكثرية تنفي هذا الأمر وتؤكد أنها لم تلجأ الى الأمم المتحدة طالبة إقرار المحكمة في مجلس الأمن إلا عندما شعرت بأن هناك استحالة في التوصل الى اتفاق في شأنها مع المعارضة بما يؤدي الى إقرارها في المؤسسات الدستورية.
ويقول مسؤول سابق إن إقرار المحكمة تحت الفصل السابع «لن يقدم او يؤخر لأن القرار في شأنها سيكون مصيره كالقرارين الدوليين 242 و338 الصادرين تحت الفصل نفسه منذ أواسط القرن الماضي، حتى إن القرار 425 الخاص بلبنان صدر تحت الفصل السابع لكنه لم ينفذ لو لم تجبر المقاومة إسرائيل على الانسحاب عام 2000». ويضيف إن القرار في شأن المحكمة، أو أي قرار آخر يصدر تحت الفصل السابع، حتى يكون قابلاً للتنفيذ يجب أن يتضمن بنداً مفاده أن مجلس الأمن، ومن أجل تنفيذ هذا القرار، قرر إنشاء قوة عسكرية دولية وكلف الأمين العام للأُمم المتحدة الاتصال بالدول الأعضاء لتأمينها، وهو ما ليس منصوصاً عنه في القرارين 242 و338 مما حال، ولا يزال، دون تنفيذهما حتى الآن.
ويتساءل هذا المسؤول: «هل في إمكان الأمم المتحدة بعد كل ما جرى ويجري في العراق وقبله في افغانستان، إنشاء قوة دولية لتنفيذ قرار دولي الآن ضد أي دولة او جهة يمكن أن يوجه اليها الاتهام في جريمة اغتيال الرئيس الحريري او غيرها؟ وعلى المستوى اللبناني هل في إمكان المحكمة أن تستدعي أو تجلب بالقوة اي شخصية او زعيم سياسي ولو بصفة شاهد في قضية الحريري؟ وكيف ستكون حال البلاد إن هي اوقفت هذا الشاهد بتهمة او شبهة ما إذا تمكنت من الإتيان به بالقوة؟».
ويستدرك المسؤول نفسه فيؤكد انه يطرح هذا التساؤل على افتراض أن التحقيق توصل الى ما يدل على تورط جهة او جهات لبنانية او إقليمية ما في الجريمة بما يستدعي جلب متهمين او شهود منها الى المحكمة. ويقول: هل في إمكان الأمم المتحدة ان تشن هجوماً عسكرياً يتطلب مئة الف جندي مثلاً ضد الدول او الجهات التي يُظن أنها متورطة في الجريمة أو ممتنعة عن التعاون مع المحكمة بتسليم المتهمين أو المتورطين؟
ولذلك، يرى أن هناك استحالة في إقرار المحكمة تحت الفصل السابع، متشككاً بجدية واشنطن في الدفع الى اعتماد هذا الخيار في وقت تسعى فيه الى تسويات إقليمية ودولية مع خصومها، وخصوصاً اولئك الذين ينادون باتفاق لبناني على المحكمة من دون حاجة الى إقرارها في الأمم المتحدة.
على أن اللافت في هذا المجال ما أورده بعض وسائل الإعلام قبل أيام نقلاً عن رئيس المحكمة الجنائية الدولية لأراضي يوغوسلافيا السابقة فاوستو بوكار من ان «التدابير التي تسعى اليها الأمم المتحدة في شأن المحكمة الخاصة بلبنان تحت الفصل السابع لا تتلاءم مع الحالة اللبنانية»، لافتاً الى «أن مجلس الأمن لا يستطيع أن يعتمد نظام محكمة مختلطة تحت الفصل السابع، لأن المحكمة الخاصة بلبنان يجب أن تعمل وفقاً للقوانين اللبنانية لمحاكمة المسؤولين عن جرائم مرتكبة محلياً، وهي جرائم لا طابع دولياً لها».
ويرى بوكار أنه لا يمكن إنشاء محكمة مختلطة من دون الحصول على موافقة مسبقة من الدول المعنية، مشيراً الى أنه حتى إذا قرر مجلس الأمن إقرارها تحت الفصل السابع فإن الأمر يفرض إبرام نظام هذه المحكمة والاتفاق الثنائي في شأنها وفقاً للآلية الدولية في الدولة المعنية». وأكد بوكار ان المحكمة الدولية «غير مهيأة وغير ملائمة للنظر في جريمة اغتيال الحريري وسواها المحددة في مشروع الاتفاق الخاص بالمحكمة، لأن هذه الجرائم ليست دولية»
ويبدو ان هذا الأمر هو ما يجعل الأمم المتحدة مربكة إزاء موضوع المحكمة، وهو أيضاً ما دفع بالأمين العام بان كي مون الى تجاوز تقرير مستشاره القانوني نيكولا ميشال، والدعوة مجدداً الى إقرار المحكمة في المؤسسات الدستورية اللبنانية لأن إقرارها تحت الفصل السابع قد ينعكس سلباً على الاستقرار العام في لبنان.