طرابلس ــ فواز ميقاتي
رغم جميع المحاولات التي بذلتها وتبذلها «حركة فتح الإسلام» للانخراط في النسيج الفلسطيني داخل مخيم نهر البارد في شمال لبنان للاجئين الفلسطينين، فإنها ما زالت حتى الآن تُعَدُّ «جسما هجيناً» يرفضه المجتمع الفلسطيني الذي يحمِّل الحركة مسؤولية التردي الاقتصادي الذي يشهده المخيم منذ فترة طويلة، إضافة إلى مسؤوليتها عن التشدد الأمني لحواجز الجيش اللبناني على مداخل المخيم، إثر اعتراف عناصر الحركة الموقوفين بضلوعها في تفجيري عين علق اللذين استهدفا مواطنين لبنانيين أبرياء.
فلا عمليات المصاهرة الواسعة التي اعتمدها أعضاء وعناصر «فتح الإسلام» داخل المخيم، ولا كمية الأموال الكبيرة التي أنفقتها الحركة في إطار اجتذاب شباب المخيم، ولا عملية الانتشار الواسعة في مختلف مناطق وأحياء المخيم حققت ما كان يرجوه قادة «فتح الإسلام» من حماية شعبية فلسطينية لظهورهم في حال وقوع اشتباك بينهم وبين الجيش اللبناني، أو حتى فصائل المقاومة الفلسطينية، فيما لا تزال الأصوات داخل المخيم تطالب بخروج ــــــ أو إخراج ــــــ عناصر ومقاتلي «فتح الإسلام»، ونزع الانفجار المحتمل، بل الوشيك مع الجيش اللبناني، مع ما يمكن أن يجره هذا الأمر من النتائج الكارثية في المخيم، وعلى العلاقات الفلسطينية ــــــ اللبنانية، ولا سيما في هذه المرحلة البالغة الصعوبة والدقة.
ويقول عدد من أبناء مخيم نهر البارد إن «حركة فتح الاسلام» لقيت في المراحل الأولى لوجودها نوعاً من التعاطف والتأييد والقبول، وخصوصاً من المتدينين. لكنها، مع ازدياد تدخلها في الشؤون الداخلية والحياتية لأهالي المخيم، وتجيير عدد من المشايخ وخطباء المساجد لشن الحملات على «تصرفات غير منضبطة» و«أفعال غير لائقة» من الشبان والشابات من أبناء المخيم كادت أن تصل إلى تكفير هؤلاء، عادت تشهد انحساراً تدريجياً لهذا التأييد، يعزّز ذلك الخوف من الإمكانات المالية والعسكرية للحركة التي تبرز خلال كل إشكال أمني، داخلي أو خارجي، وتتمثل بأسلحة متوسطة (مضادات، مدفعية خفيفة، راجمات، صواريخ...) وفردية متنوعة... ما يثير تساؤلاً عن حجم الدمار الذي سيتعرض له المخيم في حال حصول مواجهة واسعة، ومقدار الإصابات التي ستوقع العشرات، وربما المئات من أبناء المخيم بين قتيل وجريح.
ويؤكد هؤلاء أن وجود عناصر «حركة فتح الإسلام» داخل مخيم نهر البارد حوّل المخيم كله إلى «قنبلة موقوتة»، وخصوصاً مع ما يتردد عن أن المسألة فلتت من زمامها، وأن الاشتباكات بين عناصر الحركة والأهالي ستتكرر يومياً إلى أن يتحقق الحل النهائي بخروج، أو إخراج عناصر ومقاتلي حركة فتح الإسلام من المخيم نهائياً، وإلى غير رجعة!
ويتساءل أبناء مخيم نهر البارد عن الهدف من إنشاء اللجنة الأمنية المشتركة، وتجهيزها بالإمكانات المادية واللوجستية وعشرات العناصر المقاتلة! وأسباب عدم مشاركة عدد من فصائل تحالف القوى الفلسطينية في هذه اللجنة. فإذا كان الهدف تجنيب المخيم مخاطر الاشتباكات اليومية، فلماذا لا تبادر اللجنة إلى التصرف قبل وقوع المحظور وإيقاف أي طرف يسعى إلى تأجيج فتنة أو صراع داخلي بين مكونات المجتمع الفلسطيني، كما حصل أول من أمس، أو بين فئات فلسطينية والقوى الأمنية اللبنانية؟ أما إذا كان القصد من إنشائها مجرد «تنفيعات وهمروجات» إعلامية وأمنية محددة، فإنه لا فائدة ترجى من هذه اللجنة، وعدم وجودها أفضل.
إزاء هذا الواقع المتوتر، يظل مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينين في الشمال «قنبلة موقوتة»، تحتاج إلى من يبادر لنزع فتيل انفجارها بشكل يجنب المخيم وسكانه تبعات الانفجار وفلتان الأمور من عقالها. وعندها فإن الجميع سيكون مسؤولاً ــــــ بشكل أو بآخر ــــــ عن النتائج السلبية وارتداداتها على كل صعيد وعلى مختلف المستويات.