نيويورك ـــ نزار عبود
دمشق رفضت حضوره لقاء بان والأسد «لتحيّزه إلى الأجندة الإسرائيلية حول لبنان»

تحت تأثير مواقفه المنحازة، حتى ظاهرياً، تعرّض وضع ناظر القرار 1559 تيري رود لارسن للاهتزاز، وذلك بعدما كان مرشّحاً لتولّي منصب دولي أرفع.
فقبل بضعة أشهر، كان الحديث يدور في أروقة الأمم المتحدة حول احتمال تولّي لارسن مجموعة من المناصب المعنيّة بعملية السلام في الشرق الأوسط، بعد استقالة الفارو دي سوتو الذي يغادر الأمم المتحدة نهاية الشهر الجاري، إضافة إلى طرح اسمه لتولّي ملف القرار 1559، المناط به حالياً، وملف القرار 1701 والشأن اللبناني برمّته.
لكن، وفي ضوء الاتهامات المتكرّرة التي تعرّض لها والتي تطعن في نزاهته كدبلوماسي دولي كان يتوجّب عليه إطلاق المواقف المحايدة، فإن أموراً كثيرة تغيّرت، ما يعني أن مركزه بات ضعيفاً، الى حدّ يشير الى إمكان تأخير تقريره الأخير إلى مجلس الأمن عدة أسابيع إضافية.
وفي هذا الصدد، يبدو أن لارسن الحريص في كل تحركاته على تدويل الوضع اللبناني برمّته أصيب في الصميم، بعد محاولة فاشلة لتعزيز دوره من قبل بعض القوى النافذة في مجلس الأمن، بهدف التأثير سلباً على زيارة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون لسوريا قبل حدوثها، علماً بأن سوريا لم توافق على حضور لارسن أو مشاركة ممثل الأمين العام في لبنان غير بيدرسون في الوفد.
فبعد إقحام اسمي لارسن وبيدرسون في قائمة مرافقي الأمين العام إلى دمشق، على أمل أن يؤدي الموقف السوري الرافض للتعاون مع لارسن إلى تقويض هذه الزيارة قبل حدوثها، احتوت القيادة السورية هذه المحاولة عبر الموافقة على إدراجهما في عداد الوفد المرافق، شرط عدم حضورهما اللقاء مع الرئيس بشار الأسد.
وفي شأن الموقف السوري، أشارت مصادر مطّلعة لـ«الأخبار» الى أن وزير الخارجية السوري وليد المعلم وجّه، في الطائرة التي أقلته مع بان والوفد الدولي من الدوحة الى دمشق، انتقادات لاذعة إلى لارسن، متشككاً في نزاهته وأدائه كمبعوث خاص للأمين العام.
وكان لارسن قد اعتمد في تقريره السابق على أقوال لمسؤولين حكوميين لبنانيين لم يسمّهم، لتأكيد وجود اتهامات حول نقل السلاح عبر الحدود، رغم أن الحكومة اللبنانية نفت ذلك على لسان رئيسها فؤاد السنيورة، ونائبه وزير الدفاع الياس المر الذي أكّد في تصريح رسمي قبل زيارة الأمين العام إلى دمشق بأيام أن «بعوضة واحدة لا يمكنها أن تعبر الحدود السورية ـــ اللبنانية». وزعم لارسن أنه يكتم أسماء المسؤولين حرصاً على أرواحهم، من دون أن يحدّد من هي الأطراف التي تهدّدهم.
وفي مقابل عدم تمتّعه بعلاقة الحد الأدنى مع سوريا، فإن لارسن حاول الإيحاء بأنه على علاقة طيبة مع هذا البلد ومع مندوبه الدائم في الأمم المتحدة بشار الجعفري، عندما قدّم تقريره الدوري عن القرار 1559 أواخر العام الماضي، وذهب إلى حدّ الإعلان عن أنه أجرى حديثاً ودّياً مع الجعفري وأنه مستعدّ لزيارة دمشق عندما توجّه إليه الدعوة رسمياً. لكن الجعفري، الذي كان يستمع إلى حديثه في مكان آخر من مبنى الأمم المتحدة، عاد مسرعاً إلى المنبر نفسه لينفي ادّعاءات لارسن جملة وتفصيلاً ويتّهمه بالكذب.
وفي حديث إلى «الأخبار»، أكّد الجعفري أن «سوريا مستاءة كثيراً من لارسن، بسبب تحيّزه الأعمى للأجندة الإسرائيلية حول لبنان، واستمراره في التعمية على تجاوزات وانتهاكات إسرائيل المكشوفة للقرارين 1559 و1701. فضلاً عن لجوئه إلى الكذب أمام مجلس الأمن مرات عدة، في معرض الحديث عن العلاقات السورية ـــ اللبنانية، كالإيحاء بوجود حال حرب بين سوريا ولبنان تستدعي نشر قوات دولية بين البلدين، ومراقبة الحدود، ناهيك عن إصراره على ضرورة التبادل الديبلوماسي بين لبنان وسوريا كمدخل لتدويل هذه المسألة الثنائية بين بلدين شقيقين».
ولفت الجعفري الى أن زيارة بان لدمشق «تكلّلت بالنجاح»، وأتاحت للأمين العام فرصة «الاستماع إلى تحليل شفاف ومعمّق من الرئيس السوري ونائبه ومن وزير الخارجية حول القضايا الجوهرية التي يعاني منها الوضع في الشرق الأوسط، إن بخصوص عملية السلام والمبادرة العربية للسلام، أو بالنسبة للعراق ولبنان وفلسطين»، مضيفاً: «بعد الزيارتين الأخيرتين للشرق الأوسط، لوحظ جلياً أن لهجة الأمين العام حول الأزمة اللبنانية تطوّرت إيجابياً وباتت أكثر توازناً من ذي قبل، ولا سيما لجهة مراعاة مواقف كافة الأفرقاء في لبنان وليس الانحياز لفريق السلطة بالمطلق، كما كانت الحال قبل الزيارة الأخيرة لدمشق. وعلى رغم أن مسألة المحكمة لم تشكّل ملفاً رئيسياً لمحادثاته مع القادة السوريين، فإن موقف بان أضحى أكثر تفهماً لمواقف المعارضة ولضرورة تحقيق التوافق الوطني اللبناني ومراعاة الأصول الدستورية في إقرار المحكمة ذات الطابع الدولي».
ومشيراً الى أن الزيارتين جعلتا الامين العام للأمم المتحدة «أكثر دراية وحذراً في تعامله مع ملف الأزمة اللبنانية»، رأى الجعفري أن هذا الأمر ينسحب أيضاً على «نظرته إلى ملف عملية السلام في الشرق الأوسط، ولا سيما بعد حضوره القمة العربية في الرياض واعتباره المبادرة العربية أساساً مهماً لسلام المنطقة وأمنها. وهو في تصريحه هذا لا يعبّر عن موقف الأمين العام للأمم المتحدة فحسب، بل عن موقف الأمم المتحدة من السلام في الشرق الأوسط باعتبارها طرفاً رئيسياً في الرباعية الدولية».
ولا بدّ من الإشارة الى أن بان يتعرّض لضغوط دبلوماسية هائلة من قبل باريس وواشنطن ولندن، لكي يجاريها في تقييمها للملفات الساخنة في المنطقة. ولا تقف الأمور عند هذا الحد، بل تتعداه إلى درجة الضغط عليه لتعيين مسؤولين كبار في الأمانة العامة ممّن يميلون إلى وجهات نظر هذه الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن. إذ إن المطلوب، في المرحلة المقبلة، يكمن في أن يتولى المسؤولون الدوليون دوراً حيوياً في عملية تدويل لبنان، الهدف الأساس من إصدار القرار 1559.
إلا أن ديبلوماسياً عربياً في الأمم المتحدة يستبعد، على رغم ذلك، أن يلعب لارسن أي دور محوري في المرحلة المقبلة، مرجحاً عدم بقائه في منصبه، ولا سيما أنه من التركة «الأنانية» (نسبة الى كوفي أنان) التي لم يطلها التغيير بعد.