strong> نادر فوز
تحت شعار «الولد بيحرّك بلد»، غادر الأطفال والتلامذة كتبهم ودفاترهم وألعابهم، وشُغلوا بالحديث عن ضرورة نبذ العنف والفتنة والطائفية، والخروج من الزواريب السياسية الضيّقة والعمل لمصلحة الوطن والتعبير عن رفضهم لكل ما يجري من أزمات سياسية واقتصادية. فرفعوا لافتات «حطّ كفك بكفّي تَ لبنان يقدر يكفي»، «بكفّي، الوطن في خطر»، «نريد أن نعيش معاً في طمأنينة»، وشعارات أخرى تندرج ضمن حملة «بِكفّي»، التي نظمتها جمعية فرح العطاء بمشاركة مؤسسات المجتمع المدني وجمعيات أهلية وعدد من المدارس الخاصة.
تجمّع طلاب أكثر من أربع عشرة مدرسة عند تقاطع السوديكو وانطلقوا باتجاه المتحف، حاملين جلبتهم و«كل ما يفتعل الضجّة»، كما أوصت دعوة فرح العطاء، ما جعل من المسيرة كرنفالاً رنّاناً، حيث أحضر المشاركون ما تيسّر من طبول حديدية وزمامير بلاستيكية وهتافات عشوائية. ولم ينس التلامذة «شهيدي الوحدة الوطنية»، فرفعت لافتات عدة تحيّي زياد غندور وزياد قبلان: «والله اشتقنالك، لم تزل روحاكما فينا، تعيشان معنا، وهما باقيتان إلى الأبد»، «لن ننسى شهداء وحدة الوطن». كما تميّز تلامذة مدرسة المخلّص بلافتاتهم: «بيكفّي هجرة الشباب، كذب ورياء، ضياع المستقبل، بدنا نكفّي حياتنا، كفى نهشاً للوطن، لنتحّد كفاً بكفّ من أجل بلد يتساوى فيه الشعب اللبناني بالحقوق الوطنية الصغيرة والكبيرة: لبنان حراً مستقلاً حقاً».
قبل الانطلاق، تحدث الدكتور ملحم خلف باسم فرح العطاء، فأكد «أهمية التلاقي والتحاور بين اللبنانيين للوصول إلى السلام»، مشدداً على ضرورة اكتشاف غنى التنوّع في الوحدة اللبنانية وفرادة هذا المجتمع المميّز. ثم وجهت عضو الجمعية تريز عون نداءً دعت فيه إلى أن تكون فسحات الرجاء أوسع من زوايا اليأس، والكفّ عن التشنجات والشحن الطائفي والمذهبي والرضوخ لمتاهات الأزمات.
وقالت عون: «يكفينا غرقاً بالمواقف المتصلبة، تعالوا معاً نرسم جسور التواصل ونشدد على الإيجابيات، تعالوا معاً نكتشف من جديد غنى التنوع في هذه الوحدة».
تقدم المسيرة ثمانية عشر علماً لبنانياً ترمز إلى عدد الطوائف اللبنانية، وبثّ مكبّر الصوت الأغاني الفولكلورية التي اعتادت فرح العطاء إشراكها في نشاطاتها، الداعية إلى بسط المحبة والإيمان بين المجتمعات اللبنانية المختلفة؛ وقد استكمل المشهد بحضور الدربكة ورقص الدبكة.
عند الوصول إلى المتحف، انشقّت بعض المجموعات، فور انتهاء النشيد الوطني، منفردةً بشعاراتها، وهتفت كل منها على حدة باسم «الحكيم» و«الشيخ سعد» و«الجنرال».
ورغم الحديث المبكر للتلامذة عن الأوضاع السياسية وكل ما يدور حولها من عبارات كالفتنة المذهبية، الشرعية، المشاريع الوطنية، وغيرها من الألفاظ التي اعتادوا سماعها على شاشات التلفزة وفي ما تيسّر من جلسات عائلية، يرى النقابي محمد قاسم أنّ الأطفال يعيشون حالةً من القلق حيث «يعبّرون عن مشاعرهم الحقيقية بالصراخ خلال هذه المسيرة»، كما رأى «أنهمّ يتعلمون سلوكيات جديدة تنسيهم الاحتقان الداخلي»، من خلال الشعارات المرفوعة الداعية إلى كفّ العنف ومحاولات الفتنة، مشيراً إلى أنّ رفضهم لكل هذه القضايا هو رفض سلبي «تغلب عليه الابتسامة ويغيب عنه الحقد».
هذه الأحاديث السياسية «الطفولية» تدفعنا إلى ترداد ما غنّاه خالد الهبر: «يا ولد لا تقول أنّ الوطن جايي، الوطن بقي حكاية، وإنت الحاكيه منقول»؛ «بِكفّي»، «كفى»، «كفاية»، ربما يكفي هكذا حملات.