إبراهيم الأمين
بينما أجّلت قوى 14 آذار اجتماعها الى حين عودة النائب سعد الحريري من باريس، واصلت قيادات المعارضة مناقشة سبل مواجهة المرحلة المقبلة، في ظل سعي قوى السلطة ومن يدعمها في الخارج الى فرض وقائع على الأرض، بدءاً بالمحكمة الدولية مروراً بطريقة إدارة مؤسسات الدولة، وصولاً الى إقرار برنامج رئاسي من طرف واحد. ويبدو أن الحديث يتصل أيضاً بوقائع إقليمية يراهن عليها أقطاب في 14 آذار بينها احتمال تعرض سوريا وإيران لضربات عسكرية وسياسية خلال الشهرين المقبلين، وهي توقعات ظلت بعيدة عن الوقائع المتوافرة لدى معظم المعنيين.
ويبدو أن مداولات المعارضة تنطلق من الاعتبار أن الأمور لا تتجه صوب تسوية سياسية قريبة، وأن الحديث عن مهلة إضافية أمام الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون للقيام بما يمكن من أجل إتاحة المجال أمام توافق لبناني ــــ لبناني على ملف المحكمة الدولية، هو حديث في إطار التكتيك ولن يؤدي الى تسوية في ظل إصرار فريق 14 آذار ومن معه في الخارج على إبقاء إطار المحكمة ونظامها كما هما عليه الآن، الأمر الذي يبطل مفعول أي ملاحظة أو اقتراح تعديل من الجانب الآخر، وهو أحد الأسباب التي دفعت الرئيس السوري بشار الأسد سابقاً وأمس الى إعلان أن بلاده غير معنية بما يتم الاتفاق عليه بين لبنان والأمم المتحدة، كما أن سوريا غير معنية بأي قرار يفرض في مجلس الأمن عنوة. حتى إن موقف النائب سعد الحريري في باريس أمس، وإعلانه تأييد إقرار المحكمة تحت الفصل السابع جاء مقدمة أو بديلاً عما هو مطلوب أميركياً وفرنسياً من الرئيس فؤاد السنيورة، وهو الطلب الذي حمله من الولايات المتحدة الموفدان الخاصّان للسنيورة والحريري الى واشنطن ونيويورك.
وفي هذا السياق، تحاول أوساط المعارضة تبرير خطواتها اللاحقة وهي ترواح بين تصعيد في الشارع ينطلق من اعتبارات تتصل بملف التعويضات التي يحجزها الرئيس السنيورة في ما يبدو أنه «عقاب» لجمهور المقاومة من جهة، وللمقاومة نفسها من جهة ثانية، وبين تصعيد دستوري ينطلق من موقف يمنع فريق 14 آذار من تهريب انتخاب رئيس جديد للجمهورية وفق آليات تخالف النصوص الدستورية ولو كلف ذلك إقفال المجلس النيابي أوّلاً وإقفال الطريق الى قصر بعبدا ثانياً. ولكنْ هناك مجال لخطوات أخرى تفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التعقيدات الداخلية يكون هدفها فرض توافق عام مع فريق 14 اذار.
وبحسب معلومات المصادر المعنية فإن النقاش الأكثر عملانية وحرارة هو المتعلق بخطوة الحكومة الثانية. ويبدو أن قرار عودة الوزراء المستقيلين الى تصريف الأعمال يندرج في إطار الاستعداد لمرحلة الحكومة الثانية وذلك وفق فلسفة تقول بالآتي:
أولاً: إن فريق 14 آذار يعمل خلال هذه المرحلة على استغلال كل أنواع الأنشطة الإدارية وغير الإدارية المتصلة بعمل الإدارات العامة، مع ما يتطلب ذلك من أمور تفرض تجميد صلاحيات بعض الموظفين الكبار من الذين تفترض قوى 14 آذار أنهم يعملون لمصلحة المعارضة، وهم في هذا الإطار يشكّون في كل الشيعة عموماً وفي من ينظرون إليهم من المسيحيين على أنهم يقدمون الولاء للتيار الوطني الحر أو من تصفهم الوزيرة التي هي غاية في الشجاعة وسرعة التوقيع نائلة معوض بأنهم «بقايا المردة» في الدولة.
ثانياً: إن فريق 14 آذار يعمل بقوة على تكريس سيطرته السياسية والإدارية والمالية على المفاصل المركزية في الإدارة، وهو يرى في ذلك مهمة مركزية في عدد من الوزارات التي وقعت بين يدي المعارضة مثل الطاقة والعمل والصحة والخارجية وغيرها، وهو في هذا المجال يريد تطويع من بقي في الإدارة العامة في سياق إفهام الموظفين أن الانقسام السياسي لا يعنيهم، وأن من يرى نفسه منحازاً الى فريق المعارضة فعليه الاستقالة أو الوقوف جانباً ومن لا يفهم هذه الرسالة سوف تتولى «لجنة الانضباط» في ثورة الأرز إفهامه بقوة الصرف والعزل.
ثالثاً: إن فريق 14 آذار يعتقد بأنه قادر الآن على تحضير الواقع الإداري لخطوة إصلاحية وفق نظريات الرئيس السنيورة تستهدف عملياً إعداد مجموعة من مشاريع القوانين القابلة للإقرار سريعاً، وهي التي تحقق ما هو مطلوب في إطار وضع لبنان نهائياً تحت الوصاية الدولية الاقتصادية والمالية.
وبناءً على هذا التحليل، ترى المعارضة أنها معنية بالتحضير من جانبها لخطوة قيام حكومة ثانية، ومع أن للرئيس اميل لحود ملاحظات نقدية على استعجال بعض قوى المعارضة (وهو يشير صراحة الى الرئيس نبيه بري) بالعودة الى تصريف الأعمال دون وضع الأمر في سياق سياسي، فإن رئيس الجمهورية ليس قليل الحماسة لخطوة إعلان الحكومة الحالية مستقيلة وتكليف شخصية تأليف حكومة مؤقتة تشرف على الوضع في البلاد حتى انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وهي النقطة التي يستند اليها بعض المعارضة في إطار تبرير الخطوة الخاصة بالعودة الى تصريف الأعمال، والقول إن استعادة السيطرة العملية على عدد من الوزارات (سبع) سوف يتيح المجال أمام تثبيت أمر واقع على الأرض في مؤسسات الدولة، وسوف يحقق توازناً مع الفريق الآخر، بما في ذلك اللجوء الى التعامل بالمثل في حالة الإجراءات الإدارية التي تخص معاقبة من هم مع المعارضة، وإن هذه الوسيلة هي وحدها التي سوف تردع قوى 14 آذار وتمنعهم من الاستمرار في خطوات التعيين والإقالة، كذلك هناك الشق المتعلق بتوازن الخدمات، حيث يمكن وقف الخدمات الخاصة ببعض المناطق وببعض الفئات رداً على قرار العقاب الممارس الآن من جانب فريق 14 آذار، كذلك لربط آلية الإنفاق الإجمالي بقرارات الوزير دون الحاجة الى قرارات خاصة من مجلس الوزراء، باعتبار أن المعارضة تريد من الوزراء العودة الى ممارسة تصريف الأعمال دون العودة الى مجلس الوزراء، وهناك اتكال واضح على أن وزارة المال كما مصرف لبنان لن يتصرفا بانحياز لأن في ذلك ما يهدد الوحدة العامة في البلاد من جهة، ويقلّل فرص حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في التحول الى مرشح توافقي لرئاسة الجمهورية.
ومع أن الخطوة الأولى تفترض إعلان ما هو قائم الآن في استئناف وزراء حركة «أمل» عملية تصريف الأعمال، فإن ما هو متوقع بداية الأسبوع المقبل اقتراب حزب الله من هذه الخطوة دون حسم موقف الوزير يعقوب الصراف المقرب من الرئيس اميل لحود موقفه. ومع ذلك فإن الخطوة على ضعفها السياسي مثّلت عامل قلق ظهر في سلوك بعض الوزراء من فريق 14 آذار الذين كانوا يعتقدون بأن الأمور مفتوحة أمامهم حتى تشرين الثاني المقبل على الأقل.