وفاء عواد
مكاري يرفع علامة النصر: إسرائيل «جارة»... واللبنانيون يعرفون من دمّر بيوتهم

وفي التحرك «الأكثري» التاسع، لم يخلُ المشهد النيابي من مفاجآت كان لا بدّ من استشراف «حتميّة» حصولها، بعدما كان كل شيء جاهزاً لإعلانها، عقب مطالبة رئيس الحكومة فؤاد السنيورة مجلس الأمن بإقرار المحكمة بـ«قرار ملزم»، ما أحالها اعتباراً من ليل أول من أمس، مادة لـ«الخلاف الحتمي»، ولا سيما بين النواب.
وإذا كان إقرار المحكمة يمرّ في فترة «مخاض» على طاولة مجلس الأمن، فإن تداعياته «ولّدت» مفاجأتين من «العيار الثقيل» في ساحة النجمة، على مستويي المضمون والشكل.
المفاجأة الأولى: نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري «يطمئن» روح الرئيس الحريري الى أن «المحكمة الدولية باتت على طاولة مجلس الأمن»، معلناً بالفمّ الملآن، وبإشارة واضحة من أصبعي يده اليمنى بما يشير الى تحقيق «النصر»، بأن إسرائيل «جارة» ثانية للبنان!.
المفاجأة الثانية: مشادّة كلامية بدأت بين النائبين علي عمار ونقولا فتوش، لتتطوّر الى ما يشبه «المبارزة» بين نوّاب الطرفين، بعدما اضطّر النوّاب المعارضون إلى الردّ على حركات الموالين «غير المتوازنة» وعباراتهم «غير المفهومة»، وذلك، على خلفية تقدّم فتوش باتجاه المنبر لإلقاء مداخلة قانونية، بعد كلمتين ألقاهما مكاري والنائب قاسم عبد العزيز باسم «الأكثرية»، متجاوزاً بذلك «العرف الثلاثائي» الذي يقضي بإفساح المجال مباشرة أمام نوّاب المعارضة للردّ من جهة، وطلب عمار «المسبق» الإدلاء ببيان، على مسمع فتوش، من رئيس مصلحة الإعلام في المجلس محمد بلّوط المعني الوحيد بتنظيم هذا الأمر.
وإذا كان التدخّل الفوري الذي بادر إليه النائب أمين شرّي قد أفلح في «استيعاب» ما كان ينبئ بالأسوأ، بعيداً عن «ترطيب الخواطر»، على حدّ تعبيره، فإنه أفصح لـ«الأخبار» أن «الوشوشة» التي جرت بينه وبين فتوش تضمنت «لوماً»، إذ «قلت له إن اللياقة والأدب يستوجبان أن تخلي المنبر للنائب عمار».
لكن ما لم يكن في الحسبان، بعدما اعتلى عمّار المنبر، مبادرة فتوش الى افتعال مشكلة مع بلّوط، بتصنيفه «موظّفاً»، واعداً بـ«تقديم شكوى ضدّه». من دون تبرير لهذا التصرّف في مواجهة مسؤول إعلامي «حريص على عدم التمييز بين النوّاب»، على حدّ تعبير بلّوط الذي لفت الى أن فتوش لم يطلب إذناً بالكلام.
وفي إطار إعلان مكاري إسرائيل «جارة»، لم يستغرب عضو «كتلة التنمية والتحرير» النائب غازي زعيتر، في دردشة مع «الأخبار»، هذا الموقف الذي «يأتي في سياق خطة متكاملة بعدما تكشّفت جميع عوراتهم»، وانتقد ما توصّل إليه هذا الفريق بـ«افتتاحه خدمة التواصل السريع، من أجل إقرار المحكمة بالصورة الإلزامية»، وبـ«موقف المكاري الفريد، ببيانه المكتوب، الذي خاطب بيروت باسم الجارين اللذين يحيطان بها»، خاتماً بالقول: «للأسف، لم يبقَ من الدستور سوى ما يقرأه فتوش على مسامعنا».
بدوره، رأى النائب علي المقداد أن «الطابع الجديد في المسلسل الكوميدي ـــــ التراجيدي لسوق الثلاثاء يتمثّل بمدى الاستخفاف بعقول اللبنانيين، واعتماد استشهاد الرئيس الحريري مطيّة لتنفيذ مخطّط الوصاية الدائمة على لبنان». انتقد النائب نوّار الساحلي «استغلال دماء الرئيس الحريري في اللعبة السياسية».
وبالعودة الى أجواء منبر المجلس، فإنه شهد مداخلتين لـ«الأكثرية»، بعد اجتماع نوّابها الـ34، استُهلتا بكلمة مكاري الذي طلب «السماح» من الرئيس الحريري لعدم إقرار المحكمة داخلياً، محمّلاً المعارضة مسؤولية «الوقوف ضدّ إرادة الشعب»، إضافة الى أنها «تحوّلت سدّاً منيعاً في وجه المحكمة، دفاعاً عن مشتبه فيهم سمّوهم معتقلين سياسيين وعن قتلة متّهمين يوجّهون إليهم آيات التسبيح والولاء والعرفان». وفي «تبرير» لسعي الموالاة الى إقرار المحكمة دولياً، و«انطلاقاً من الاحترام»، خصّ مكاري اللبنانيين الذين «يعرفون من جاء بالدمار إلى بيوتهم وبناهم التحتية» بكلمة: «لم نقم سوى بواجبنا تجاهكم». وفي كلمة لـ«الشركاء» في الوطن، قال: «كفانا عار التعطيل: تعطيل المحكمة والمجلس النيابي والشارع والسوق والإدارة، وتعطيل بيروت العاصمة اللؤلؤة التي يحسدنا عليها الجاران، ويقبل عليها الأشقاء والأصدقاء».
وتلا عبد العزيز بياناً، جدّد فيه دعوة الرئيس نبيه برّي لـ«فتح أبواب القاعة العامة، لمناقشة الأمور السياسية والمطالب المعيشية»،.
بعد ذلك، تقدّم عمّار الى المنصّة ليرتجل كلمة، ما أدّى الى حصول الإشكال مع فتّوش على أفضلية الكلام. وفي هذا الإطار، دار النقاش بتفاصيله التالية:
- عمّار: «لست أنت من يعيّن ويقرّر من سيتكلم. لقد تحدث إثنان منكم، وأنتم لا تمثّلون كل الشعب اللبناني».
ولدى تدخّل بلّوط لحلّ الإشكال، قال له فتّوش: «أنت مجرّد موظف، ولا يحقّ لك التدخل، وهذا الأمر يعالج مع الرئيس».
- عمّار: «لا تدخّلوا الرئيس في هذا الموضوع. الرئيس فوق الجميع».
- النائب علاء الدين ترّو: «الرئيس لنا جميعاً، وليس رئيسك وحدك».
- عمّار: «لا، لا، ليس رئيسك. فلو كان رئيسك، لما تصرفتم بهذا الشكل. الرئيس بري هو رأس المجلس».
- فتّوش: «إنت حبيبي».
- النائب محمد الحجار: «لماذا تضعنا في موضع سؤال؟».
- عمار: من يتصرف في هذا الشكل بالمؤسسات، يصبح موضع سؤال»، و«لا أحد يستطيع أن يرفع صوته في وجهي».
وبعد انتهاء هذا المشهد الحواري، ألقى عمّار كلمة، انتقد في مستهلّها «الفريق الانقلابي المضلّل للحقائق»، متّهماً اياه بـ«استثمار مصالح البلاد ودماء الشهداء، لتحويل لبنان الى منصة تلبس أدواراً لا تتناسب مع جغرافية المصلحة اللبنانية».
وغامزاً من قناة الكسّارات التي كانت «تمعن في البيئة، وتنتقل من جبال ضهر البيدر الى الحكومة والى المجلس النيابي لتمعن أيضاً في عملية تصفية الدستور وتفتيت أحجاره ومقومات وجوده»، ذكّر عمّار بشبكة محمود رافع التي «لا تقلّ خطورة عن الشبكة السياسية التي أمعنت في هدر مقومات البلد». ورداً على اعتبار إسرائيل «جارة»، أكّد عمّار أن «إسرائيل لم ولن تكون في يوم من الأيام جارة للبنان». كما حذّر من «أن تكون المؤسسات الدولية وسيلة من وسائل بذر الشقاق والفتنة داخل لبنان».
ثم توجه فتوش الى المنصة وقدّم «ملاحظات قانونية»، إستبقها بتوجيه التحية الى برّي، مقرونة بتطبيق المادة الخامسة من النظام الداخلي للمجلس. وذلك، في ظلّ إغفال موضوع الكسّارات الذي غمز عمّار من قناته. وتضمّنت ملاحظاته الإشارة الى أنه «ليس هناك معارضة في وسط الحكومة»، معتبراً أن «التسليم بأكثرية مزعومة، اسمها الثلث المعطّل، مخالفة دستورية جسيمة ومناقضة للعيش المشترك والتوافق في الوطن».