strong>فيصل طعمة ــ عبادة كسر
  • الاقتراحات البديلة للاستفادة من الأرض موجودة لكنّها تنتظر قراراً
    أدّى سهل البقاع دوراً مهماً في الحربين العالميتين الأولى والثانية من خلال المطارات الحـربية الثلاثة التي أقامها الألمان والفرنسيون والبريطانيون على أرضه. ماذا بقي من هذه المطارات اليوم بعد مرور عقود طويلة على إنشائها؟ وما هي المـشاريع البديلة للاستفادة من مساحات الأراضي التي كانت تشغلها؟
    قليلون الذيــــــــــن يعرفون أن سهل البقاع كان يحتضن ثلاثة مطارات حربية أقامتها الدول الكبرى خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية وجعلت منها قواعد عسكــــــــــرية لها. وتحوّلت هذه المطارات بعد الاستقلال إلى مدارس تدريـــــــــبية قبل أن تندلع الحرب وتتحوّل أثراً بعد عيــــــــن باستثناء مطار إيعات الذي لا يزال يحتفظ ببعض عنابره فيما سرق الأهالي حجارته وبنوا منها بيوتاً.

    «رياق» ألماني أولاً

    مع بدايات الحرب العالمية الأولى، كانت القدرات الجوية للدولة العثمانية محدودة جداً مقارنة بالدول الأوروبية، الأمر الذي اقتضى تدخلاً ألمانياً مباشراً لدعم القدرات الجوية العثمانية لكونها كانت حليفتها في تلك الحرب. فكانت المبادرة عام 1916 إلى إقامة قواعد جوية بسيطة في رياق ــ لبنان، ودمشق ودرعا في سوريا، وجنين في فلسطين.
    وفي مرحلة لاحقة أقامت الفرق الهندسية الألمانية في رياق مدارج رملية وعنابر مؤن وشوادر وورشاً للصيانة على أراض زراعية تعود لعائلات مطران، وإده، وتابت وبيطار. وتوسعت مع الوقت لتضم مهبطاً للطائرات الألمانية من طراز «رامبلر» التي كانت تنطلق لقصف مواقع الثوار في الحجاز مع طلعات استطلاعية فوق حدود السلطنة العثمانيةومع انتهاء الحرب الأولى وانتصار الحلفاء فيها، التفت الفرنسيون إلى أهمية موقع مطار رياق، فعملوا على تأهيل المدارج الرملية وتعبيدها وإنشاء أبنية لا تزال قائمة حتى اليوم، وقد دشّنه الجنرال «غورو» في آب 1920 في احتفال سلّم فيه قوات بلاده الجوية أعلامها. في الحرب العالمية الثانية عاد الألمان إلى مطار رياق، بعد استسلام فرنسا وتوقيع حكومة فيشي معاهدة معهم، ما سمح للطائرات الألمانية بالتموضع في المطار لمساعدة رشيد علي الكيلاني في الانقلاب الذي قام به في العراق. آنذاك «اصطفت» الطائرات الألمانية من نوع «مسر شميت» إلى جانب الطائرات الفرنسية «موران سولنيي» على أرض مطار رياق وانحصر دور الطائرات الألمانية بالمهمات الاستطلاعية.
    تعرّض مطار رياق لغارات جوية متلاحقة خلال الحرب العالمية الثانية، فاستهدفت مدارجه المقاتلات البريطانية والأسترالية من دون تحقيق أهدافها بسبب نقل الطائرات الفرنسية إلى مجدلون قرب بعلبك. وكانت آخر الغارات الجوية التي تعرض لها المطار في تموز الماضي حين استهدفته مقاتلات اسرائيلية بعدة غارات ألحقت أضراراً في مدرجيه الجنوبي والغربي.
    بعدما انتقل لبنان إلى سلطة فرنسا «الديغولية»، عين الجنرال شارل ديغول الضابط جان مورلي قائداً للقوات الجوية الفرنسية في الشرق، وأعاد الأخير تنظيم القاعدة الجوية مع رئيس مشاغل الطيران في القاعدة «أندريه كونش» بمعاونة اللبناني جورج مارون خير الله الميكانيكي في المطار منذ 1939 الذي أصبح لاحقاً مسؤول قسم صيانة الهياكل في رياق.
    ويروي نعيم مراد (94 عاماً) أنه في أواخر سنة 1939 هبطت في مطار رياق طائرة فرنسية من طراز «F-ANSAN» تقودها سيدة فرنسية، وكانت هذه الطائرة مثالاً لصناعة قاعدة رياق الجوية حيث «بدأنا في أوائل 1943 نعمل على تصنيع طائرة بمقعدين للتدريب أطلقنا عليها اسم «رياق 43» وكانت بمجملها خشبية ومحركها بريطاني من طراز «جبسي ماجور 130 حصاناً»، وجان مورلي هو أوّل من حلق بها من مطار رياق نحو سماء بعلبك ومن ثم ضهر البيدر، ولكن لم يدم الأمر طويلاً إذ غادر مورلي لبنان ومات مشروع طائرة «رياق 43» بعد تصنيع 12 طائرة لبنانية».

    و«الإسطبل» فرنسي

    مطار رياق الذي ما زال «صامداً» يعتبر من القواعد الجوية الأساسية لسلاح الجو اللبناني اليوم. وربما جاء صموده على حساب مطار «الإسطبل» في البقاع الغربي الذي أفل نجمه بعد عام 1956 يوم كان يستخدم مدرسةً للطيران. هذا المطار تحولت مدارجه اليوم إلى أثر بعد عين بعدما أقدم فلاحون على «حراثتها» وتحويلها إلى أرض زراعية وتشهد بقايا عنابره على تاريخه الطويل في الحروب المختلفةويقول صبحي قبلان (الذي توفي بعد ساعات من إجراء الحوار معه) إنه عمل في «رصف» مدارج مطار الإسطبل وهو في سن العشرين إلى جانب كثيرين من شباب قريته التي أعطت اسمها للمطار وهي اليوم تعرف باسم بلدة الروضة، حيث «كنا نقوم بنقل الحجارة ورصف البلوكاج على المدارج ومن ثم نردمها بالتراب ونحدلها، وكنا نحضر الحجارة من ضواحي بعلبك وعنجر وكفرزبد، وقام بتنفيذ المطار والإشراف عليه المهندس اللبناني حنين صحناوي».
    عام 1937 أطلق سلاح الجو الفرنسي ورشة بناء مدرجي مطار «الإسطبل» الحربي على مساحة 3 كلم طولاً و70 متراً عرضاً، وبعدما أُنجزت الأعمال عام 1939 أصبح مهبطاً للطائرات الحربية وأدّى دوراً في الحرب العالمية الثانية، ما سبّب قصفه من قبل الحلفاء بهدف قطع الإمداد عن حكومة فيشي الفرنسية وهبوط الطائرات الألمانية على مدارجه.
    أدّى مطار الإسطبل دوراً أيضاً في الحرب العربية الاسرائيلية سنة 1948، إذ استخدم سلاح الجو السوري مدارج المطار منطلقاً لمهاجمة الأهداف الاسرائيلية على أرض فلسطين، ولكن أبرز ما تميز به المطار هو استخدامه من قبل مهرّبي المخدرات بين سوريا ولبنان، ولبنان ومصر.
    ويقول أحمد الخطيب أحد مالكي الأراضي الزراعية التي شغلها المطار إن «القوات الفرنسية اقتطعت مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية لإقامة مدارج المطار وقد خصص لنا الانتداب الفرنسي عشر ليرات لبنانية بدل إيجار عن كل دونم ومن ثم تولى الإنكليز دفع المبلغ ومن بعدهم الدولة اللبنانية التي توقفت عن الدفع اعتباراً من عام 1953».

    «إيعات» للإنكليز

    وبالتزامن مع إقامة مطارَي رياق والإسطبل وبعد سقوط حكومة فيشي الفرنسية بدأ الإنكليز بتشييد مطار حربي في سهل بلدة إيعات غرب مدينة بعلبك، إلى أن أصبح في عهدة سلاح الجو الفرنسي خلال انتدابه على لبنان.
    مطار إيعات الذي لم يبق منه اليوم سوى بعض عنابر الطائرات، كان يمتد على مساحة أكثر من 2 كلم2 استخدمها الجيش اللبناني حقلاً للرماية وتدريب الطيارين.
    بعدما سيطر الإنكليز على المطار عملوا على رصف مدرجين للهبوط والإقلاع وإنشاء برجين للمراقبة، إضافة الى مبان للعسكر مع عنابر وزعت بشكل دائري حول المطار.
    عصفت في مطار إيعات نكبات عدة تمثل أبرزها باقتلاع كثير من حجارته خلال الحرب الأهلية التي استخدمها أبناء المنطقة في بناء منازلهم، وتعرّض في العدوان الاسرائيلي الأخير لعدة غارات جوية واستخدمت بقايا مدرجيه مهبطاً لإنزال جوي اسرائيلي أودى بحياة ستة مواطنين كانوا في خيمة قرب المطار.




    محطة لرحلة عالمية

    لم يكن الاهتمام بمطار رياق عسكرياً فقط، بل شكّل محطة مهمة لمغامرين ومتنافسين في الطيران. ففي الخامس من شهر آب سنة 1933 انطلق الطيار الفرنسي «روسي» مع رفيقه «كودوس» بطائرته «البلريو 110»، التي سميت لاحقاً باسم الطيار الفرنسي الكبير جوزف لو بري، من سهل فلويد ــ بينيت في نيويورك متجهاً نحو الشرق إلى مطار يبعد 9104 كلم حيث هبط في قاعدة رياق الجوية في تمام الساعة السادسة وعشر دقائق بتوقيت غرينتش من مساء الأحد الواقع في السادس من آب 1933 بعد طيران متواصل استمر نحو 55 ساعة.
    وكان في استقبال محطّم الرقم القياسي (آنذاك 8189 كلم) في الطيران المتواصل عناصر الكتيبة 39 من الجيش الفرنسي الموجودة في لبنان.
    وصمد هذا الرقم أربع سنوات، وكان اللبناني وديع نوفل هو من قام بصيانة تلك الطائرة الفرنسية.




    «إيعات» للسياحة؟

    قدم المهندس علي عبد الساتر دراسة لوزارة السياحة عام 1993 طرح فيها جملة من الأفكار تقضي بتحويل مطار إيعات إلى مطار سياحي ومدرسة لتعليم الطيران، لما في ذلك من جدوى اقتصادية وإنمائية للمنطقة.
    ويقول عبد الساتر إن المطار يقع بالقرب من آثارات بعلبك ونهر العاصي، إضافة إلى أنه يتوسط مزارات دينية (مزار السيدة خولة، مزار سيدة بشوات، مزار محبس القديس مارون في الهرمل). ويمكن تحويل المطار إلى منطقة حرّة تسهل حركة نقل المنتجات الزراعية إلى الداخل اللبناني وإلى الخارج بفترة زمنية قصيــــرة وبكلفة أقلّ. ويمكن أيضاً تحويله إلى مرفأ إغاثي في فصل الشتاء الذي يعزل المنطقة بسبب الثلوج.




    ... ورياق إلى سوق حرة؟

  • نيبال الحايك

    تقدمت الكتلة الشعبية في زحلة والبقاع باقتراح قانون إلى مجلس النواب حمل الرقم 1607 بتاريخ 24/1/2006 يقضي باستعمال مطار رياق «كلياً أو جزئياً» لأغراض تجارية ومدنية.
    ودعا اقتراح الكتلة إلى إنشاء مؤسسة عامة تدعى المؤسسة العامة للمشاريع الاستثمارية في حرم مطار رياق، على أن تتمتع هذه المؤسسة بالشخصية المعنوية، والاستقلال الإداري والمالي، وأن يكون مركزها ضمن حرم مطار رياق، وترتبط بوزير النقل الذي يمارس عليها الوصاية الإدارية.
    وتقوم المؤسسة بإنشاء المشاريع التالية في حرم مطار رياق، إضافة إلى إدارتها واستثمارها:
    المطاعم والمقاهي والاستراحات وما شابهها، محطات ومستودعات الوقود، الفنادق المنشأة لاستقبال المسافرين عبر المطار، المرائب المنشأة لتوفير ركن السيارات في حرم المطار، صالونات شرف، شركات السيارات العمومية والمراكز الصحية والطبية، المخازن الجمركية على أنواعها والأبنية المخصصة للاستعمال التجاري ولشركات الطيران المحلية والدولية، إضافة الى المستودعات والمحال التجارية في السوق الحرة (DFS)، بعد تحديد نطاقها وعددها وأنواع البضائع المسموح بيعها فيها، والموافقة على منح حق استثمارها وفقاً لأحكام القوانين والأنظمة المرعية الإجراء.
    وتعتمد المؤسسة العامة للمشاريع الاستثمارية في حرم مطار رياق، وفق اقتراح القانون، في كلّ أعمالها، القوانين المرعية الإجراء وتراعي إلى أقصى حد المقاييس والاتفاقات والالتزامات الدولية ذات الصلة أو الصادرة عن منظمة الطيران المدني الدولي ICAO، وخصوصاً ما يتعلق منها بأمن الطيران المدني وسلامته.