غليان شعبي في البدّاوي وانتشال جثث في طرابلس ومسلّحون مدنيّون على مدخل {البارد}
انسحب الهدوء الحذر على مخيم نهر البارد مع ساعات مساء أمس الأولى، بعد أنباء عن اتفاق ينص على توقف الجيش عن قصف المخيم مقابل توقف مجموعات «فتح الإسلام» عن إطلاق النار.
وكان نهار أمس قد شهد تدهوراً للأوضاع الأمنية على نحو كبير في مخيم نهر البارد، وخصوصاً في فترة بعد الظهر. واندلعت حرائق عدة داخل المخيم وفي محيطه نتيجة اشتداد القصف، من غير معرفة عدد القتلى والجرحى، وتحديداً في صفوف عناصر حركة «فتح الإسلام»، رغم أن معلومات أمنية تحدثت عن وصول عددهم إلى 30 منذ بدء الاشتباكات. وقدّرت المعلومات نفسها عدد شهداء الجيش بـ37 خلال الفترة ذاتها، فيما نعى الجيش 16 من شهدائه، بينهم ضابط برتبة ملازم، بعد نعيه أربعة شهداء أول من أمس.
وكان ليل أول من أمس قد شهد مناوشات تحوّلت مع ساعات الصباح الأولى إلى اشتباكات عنيفة بالأسلحة الرشاشة والقذائف الصاروخية. واتخذت وحدات الجيش خطوات عملية على الأرض، أدت إلى إحكام السيطرة على النقاط التي خسرها في اليوم الأول من الاشتباكات، وخاصة في تلة المحمرة، مما أدى إلى إطباق الحصار على المخيم بشكل شبه كامل.
ومنذ الصباح، أجرت الفصائل الفلسطينية المختلفة، وعلى رأسها حركتا فتح وحماس، اتصالات سياسية واسعة شملت رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة، وتضمنت مناشدات للجيش اللبناني من أجل إعلان وقف لإطلاق النار إفساحاً في المجال أمام إخلاء الجرحى وإدخال المواد التموينية إلى المخيم. ونجحت هذه المساعي في وقف لإطلاق النار ابتداءً من الثالثة والنصف من بعد الظهر.
ودخلت بعد وقف اطلاق النار سيارات تابعة للصليب الأحمر اللبناني ومنظمة الأونروا محمّلة بالمؤن، وتمكنت من إجلاء 17 جريحاً عن المخيم. وعندما كانت إحدى السيارات المدنية تهمّ بالخروج من المخيم من المدخل الجنوبي حوالي الرابعة والنصف، وكان بداخلها أحد أبناء المخيم الذي كان يريد إخراج ابنه المصاب بقصور كلوي، جرى إطلاق نار مجهول المصدر، أدى إلى تجدد الاشتباكات من مختلف جهات المخيم.
وقد تضاربت المعلومات عن مصدر النار، إذ ذكرت مصادر أمنية أن مسلحين من حركة «فتح الإسلام» أطلقوا النار على الجيش الذي رد على مصادر النيران، فعادت الأمور إلى التصعيد مجدّداً. وبالمقابل، ذكرت معلومات فصائل فلسطينية أن «طابوراً خامساً» دخل على الخط فأطلق قناصة النار باتجاه المخيم، فرد عناصر «فتح الإسلام» باتجاه الجيش الذي اضطر للرد على مصدر النار فعادت الاشتباكات للتجدد بشكل أعنف من ذي قبل.
وتحدّث شهود عيان عن انتشار عدد من المسلحين المدنيين على مقربة من أحد مداخل المخيم، عمل افراد الجيش على إبعادهم عن منطقة الاشتباكات. وشهدت بلدة ببنين في عكار بلبلة بعد سريان شائعة عن مرور سيارة تقلّ أشخاصاً مسلحين اتجهوا نحو جرود عكار. على الأثر، حمل بعض أبناء البلدة أسلحة خفيفة «بانتظار مرور عناصر آخرين من «فتح الإسلام».
وترافق تدهور الوضع الأمني مع توجيه الناطق الإعلامي للحركة أبو سليم طه، تهديداً إلى الجيش اللبناني بنيّة الحركة «نقل المعركة إلى خارج المخيم، وإلى مدينة طرابلس وغيرها»، محذراً من أنّه «إذا استمر الوضع على ما هو عليه فلن نسكت، وستكون المعركة على قدر الضغط الحاصل الآن، وسوف تكون معركة كبيرة إذا أُريد لها أن تكون كبيرة». ولفت إلى أنّ «لدينا الكثير من المتعاطفين معنا داخل المخيم وخارجه»، نافياً «استخدام الحركة المدنيين كدروع بشرية في الاشتباكات»، وداعياً المقيميين في محيط المخيم إلى «الابتعاد عن النقاط التي يكون فيها عناصر الجيش اللبناني، لأنّنا سندافع عن أنفسنا».
في موازاة ذلك، شهد مخيم البدّاوي، الذي يبعد قرابة 11 كيلومتراً عن مخيم البارد، حالة غليان شعبي نتيجة القصف الذي يتعرض له مخيم البارد. فنُظّمت مسيرات غاضبة ضمت المئات داخل أزقة المخيم وأحيائه وشوارعه، باتجاه مدخل بلدة البداوي، ورُدّدت شعارات «الموت للعملاء»، فيما حمّل عدد منهم «آل الحريري والسلطة اللبنانية مسؤولية الدماء التي تسيل في مخيم البارد» معتبرين أنّ «هؤلاء هم مَن صنع «فتح الإسلام». وأحرقوا الإطارات وقطعوا الطريق، ثم عادوا إلى مدخل المخيم باتجاه طرابلس، فقطعوا الطريق مجدداً بالإطارات والحجارة.
طرابلس تجمع الأشلاء
في طرابلس، وفي شارع المئتين ومنطقة الزاهرية، تُظهر آثار الرصاص والحرائق والدمار عنف الاشتباكات التي دارت في عدد من المباني، التي أفادت معلومات بأن أربع شقق فيها كان يستأجرها المسلحون. وإضافة إلى حالة المباني، فإن العدد الكبير من القتلى والجرحى في المكان (11 قتيلاً و4 جرحى) يظهر شدة تبادل إطلاق النار الذي وقع أول من أمس. وذكرت المعلومات أن عدد المسلحين الذين اعتقلتهم السلطات الامنية بلغ 12 موقوفاً، وبوشرت التحقيقات معهم؛ وقد عرف منهم اللبناني مصطفى ج.
وفي حيّ الزاهرية الشعبي انتشلت قبل ظهر أمس من مبنى طه إيعالي جثة شريف محمود النجار (سوري)، واعتقل اللبناني طلال ا.، فضلاً عن انتشال خمس جثث لمسلحين لم تعرف هوياتهم، أحدهم من بنغلادش.
إلا أنّ التطور الأمني الأبرز في هذا المجال، كان العثور على جثة صدّام الحاج ديب في الزاهرية، وهو أحد المتهمين بالمشاركة في محاولة تفجير القطارات في ألمانيا صيف عام 2006. كذلك، قبضت القوى الأمنية على أحمد الحاج ديب، شقيق صدام، بعد نقله إلى أحد مستشفيات طرابلس مصاباً.
في هذه الأثناء، قام مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي جان فهد والمحقق العسكري القاضي رشيد مزهر والمحامي العام العسكري القاضي أحمد عويدات، يرافقهم آمر سرية طرابلس في قوى الأمن الداخلي العقيد بسام الأيوبي، بجولة تفقدوا فيها المناطق التي دارت فيها الاشتباكات، قبل أن يعقدوا اجتماعاً موسعاً مع المسؤولين الأمنيين في طرابلس والشمال، لبحث آخر التطورات واتخاذ الخطوات والإجراءات المناسبة.
وخلال الجولة، تحدّث مفوض الحكومة جان فهد إلى المؤسسة اللبنانية للإرسال كاشفاً أن الموقوفين هم من جنسيات مختلفة.
(الأخبار)