طرابلس ـ عبد الكافي الصمد
استفاقت طرابلس لتلملم آثار اشتباكات الأحد، لكنها لم تستفق من هول الصدمة، بعدما أعادت الأحداث إلى الأذهان ما شهدته المدينة من معارك عسكرية منتصف الثمانينيات، لم تقو السنين الماضية على محوها من الذاكرة

انتهى اليوم الماراتوني الطويل في طرابلس بسقوط شهداء وجرحى في صفوف الجيش اللبناني، وقتلى وجرحى وأسرى في صفوف تنظيم «فتح الإسلام»، وببسط الجيش سيطرته الكاملة على الأحياء والأماكن التي كان فيها المسلحون. المدارس والثانويات والمعاهد والجامعات أقفلت أبوابها، فيما خيّم الشلل على الأسواق التي أقفرت، رغم أن أكثر من 80 في المئة من المحالّ التجارية والمقاهي والمصارف والمؤسسات الرسمية فتحت أبوابها.
شوارع المدينة شهدت صباحاً زحمة سير لافتة مع خروج المواطنين لتفقّد الأضرار، لكن الهدوء سرعان ما عاد إلى عاصمة الشمال، وخصوصاً في فترة بعد الظهر، إثر انتشار شائعات عن وجود مسلحين في بعض أزقة المدينة.
في غضون ذلك، عزّز الجيش إجراءاته الأمنية عند مداخل طرابلس وفي شوارعها وأحيائها الرئيسية، فيما عكف عناصر الشرطة القضائية والأدلة الجنائية على رفع الأدلة والبصمات وأخذ العينات وتفجير بعض مخلفات الذخائر غير المنفجرة، وخصوصاً في شارع المئتين وحيّ الزاهرية.
الإجراءات الأمنية وحّدت المشهد في المنطقتين على رغم الفوارق بينهما. فشارع المئتين من الأحياء الراقية، أصيب سكانه بصدمة غير متوقعة. وألقت الإجراءات الأمنية في محيط مجمع البستان السكني ومبنى عبده، في وسط الشارع، أجواء لم يعتدها قاطنوه. القوى الأمنية المنتشرة في الشارع قطعت السير في اتجاه وأبقته في اتجاه آخر، ومنعت الاقتراب إلا لسكان المجمع والصحافيين، فيما تجمّع عدد كبير من الفضوليين في الناحية المقابلة من الشارع.
عند المدخل الرئيسي لمبنى عبده، حيث دارت أعنف الاشتباكات، وفي باحته الداخلية وفنائه الخارجي وموقف السيارات الملحق به، كان العشرات من عناصر الأدلة الجنائية والشرطة القضائية، فضلاً عن عناصر من قوى الأمن الداخلي، منكبين على عملهم، فيما مُنع الصحافيون من الاقتراب من المنطقة التي سُيّجَت بشريط أصفر، وعملت القوى الأمنية على إخلاء كل قاطني المبنى المكوّن من 6 طوابق و12 شقة، من ساكنيه، من أجل مسحه في شكل كامل، تخوفاً من وجود قنابل وعبوات ومتفجرات خلّفها المسلحون وراءهم.
آثار الرصاص والحرائق والدمار بدت واضحة في الطبقتين الأولى والثانية من المبنى، أكثر مما هي عليه في الطبقات الأخرى، الأمر الذي يدلّ على أنّ المسلحين كانوا يقيمون في تلك الشقق، التي أفادت معلومات بأن أربعاً منها كانت مستأجرة من قبلهم، وذلك ما يفسر العدد الكبير من القتلى والجرحى في المكان (11 قتيلاً و4 جرحى).
أمّا في حيّ الزاهرية الشعبي والمكتظ، فتجمّع عشرات المواطنين حول مبنى الشيخ المهجور، لاستطلاع ما حدث فيه، ولم تتخذ القوى الأمنية أي إجراءات نظراً لعدم العثور فيه على أسلحة أو متفجرات أو جثث للمسلحين الذين فرّوا إلى شارع المدارس الواقع خلف المبنى مباشرة، حيث سدّ الجيش اللبناني المنافذ المؤدّية إليه، متخذاً إجراءات أمنية مشدّدة، ومنع الدخول إلا لقاطنيه، حيث انتشلت قبل ظهر أمس ست جثث من مبنى طه إيعالي.