نهر البارد - نزيه الصديق طرابلس - عبد الكافي الصمد

طرابلس تعيش على وقع الشائعات ومبنى عبده يفجّر مفاجأة جديدة

دقائق معدودة من الهدوء سمحت لـ«الأخبار» بالتوغّل داخل مخيم نهر البارد، من مدخله الجنوبي بعد ظهر أمس. يظهر الدمار على جانبي الطريق ابتداءً من حاجز الجيش في تلة حكمون على الطريق البحري. حاجز حركة فتح مدمر. محطة وقود محترقة. منازل بقربها أكلتها النيران. دمار يزداد وضوحاً في الأبنية المحاذية لنهر البارد، وصولاً إلى الجسر داخل المخيم. أعلى الجسر، ما زال الدخان يتصاعد من محطة وقود أخرى أصيبت بالقصف. مرّت سيارات تحمل الأعلام البيضاء.
هذا الخرق للهدنة التي أعلنت عند الثانية والنصف من بعد ظهر أمس لم يمنع من صمودها. فقد هدأت أصوات المدافع والرشاشات، لتعود على نطاق محدود أكثر من مرة، وسط تبادل للاتهامات بين الجيش وحركة «فتح الإسلام» بخرق الهدنة، في ظلّ اتهام لافت من الحركة لطرف ثالث «بخرق الهدنة وافتعال المشاكل من أجل استمرار الاشتباكات مع الجيش اللبناني»، متّهمة هذا الطرف بالعمل «لحساب جهات أمنية لبنانية».
وسمحت الهدنة لفرق الإغاثة بدخول المخيم لإيصال المؤن للسكان، من أجل إجلاء الجرحى والمصابين، وإدخال المواد الطبية، وإخراج ما أمكن من المدنيين من داخل المخيم بعد الدمار الكبير الذي لحق به، نتيجة تعثر الهدنة أكثر من مرة، ووسط خوف من سقوطها مجدداً.
وعند وصول إحدى الشاحنات التي كانت تنقل كمية كبيرة من الخبز إلى داخل المخيم، قرابة الرابعة، سقطت بقربها قذيفتا هاون مجهولتا المصدر، أكّد شاهد عيان من داخل المخيم في اتصال مع «الأخبار» أنهما لم تطلقا من الجيش، ما أدى إلى سقوط قتيلين و16 جريحاً. وقد عرف من بين القتلى ابن القيادي في حركة فتح الإسلام ناصر اسماعيل الذي كان يتدافع مع العشرات من أبناء المخيم للحصول على المؤنوقرابة الخامسة من عصر أمس، أعطى الجيش اللبناني الإذن لقافلة المساعدات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة، المكونة من ست شاحنات وأربع سيارات إسعاف ومولد كهربائي، بالدخول إلى مخيم نهر البارد.
في موازاة ذلك، استمرت الطريق الدولية المحاذية للمخيم من الناحية الشرقية، والتي تربط بين المنية وطرابلس جنوباً، وعكار والأراضي السورية شمالاً، مقطوعة لليوم الثالث على التوالي بسبب خطورة العبور عليها، ومنع الجيش المواطنين من سلوكها بالاتجاهين، الأمر الذي أجبر أهالي عكّار الذين يريدون الخروج أو الدخول إلى منطقتهم، استخدام طرق فرعية ضيقة وصعبة المسالك.
وقد سمحت الهدنة لعدد من أهالي المخيم بالنزوح عنه. وحتى التاسعة والنصف من مساء أمس، كان قد خرج من المخيم نحو خمسة آلاف من قاطنيه، متوجهين بأكثرهم إلى مخيم البداوي. ولوحظ أن أكثر الخارجين كانوا من كبار السن والنساء والأطفال.
وكانت ساعات الصباح قد شهدت اشتباكات عنيفة بين الجيش ومسلحي «فتح الإسلام»، تجلّت بتبادل عنيف للقصف، بدءاً من بعيد الرابعة فجراً، خفتت حدّتها قليلاً بعد الظهر، قبل أن يتم التوافق على إعلان وقف لإطلاق النار.
فقد عاش المخيم منذ ما بعد الرابعة من فجر أمس على وقع تصعيد عنيف وتبادل للقصف، استمر حتى الحادية عشرة على وتيرة واحدة، وتصاعد الدخان الأسود بشكل كثيف من المناطق التي تعرضت للقصف بشكل مباشر. وأشار أمين السرّ السابق للجنة الشعبية في المخيم أبو هشام ليلى إلى أن «13 قذيفة تسقط على المخيم كلّ دقيقة، وأنّ الجثث منتشرة في الشوارع وتحت الأنقاض»، لافتاً إلى أنّ «الجميع يدفع ثمن لعبة سياسية أكبر منه». وكانت الاشتباكات العنيفة قد أسفرت عن سقوط 7 قتلى من الحركة داخل المخيم، بينهم شخص يحمل الجنسية البنغلادشية، حسب معلومات لم يتم التأكد من صحتها بسبب ضراوة المعارك، وإصابة عنصرين من الجيش اللبناني بجراح، نقلا على اثرها إلى أحد مستشفيات عكار، كما تم إجلاء 21 جريحاً من المدنيين في المخيم.
وفي محيط المخيم، تمكن الجيش من السيطرة على موقع خان العبدة الذي كان تحت سيطرة حركة «فتح الإسلام»، الأمر الذي أدى إلى إمساك الجيش بالوضع تماماً على الأرض. وكان المسؤول الإعلامي للحركة أبو سليم طه قد نفى ما أشيع عن قيام مسلحي الحركة «بذبح عدد من عناصر الجيش اللبناني»، في اليوم الأول من الاشتباكات، معتبراً ذلك «دعاية تهدف إلى تشويه الإسلام، وربطها بنسق معين من الدعاية البشعة»، لافتاً إلى «أنّهم قتلوا العشرات من أهل المخيم، وهدموا البيوت على رؤوس أصحابها، وأنّ المساجد لم تسلم أيضاً من نيرانهم وقصفهم».
طرابلس
وفي طرابلس، عاشت عاصمة الشمال، أمس، يوماً مشوباً بالقلق والحذر، وتراجعت نسبة التفاؤل التي سادت أمس، بسبب انتشار موجات واسعة من الشائعات أربكت المواطنين، وشلّت الحركة في المدينة. وكان اللافت في هذا السياق، الانفجاران اللذان حصلا في شارع المئتين، وتحديداً في مبنى عبده الذي كان مسرحاً لاشتباكات دامت ساعات عديدة طوال يوم الأحد الفائت. وتبيّن أن أحدهما ناجم عن تفجير أحد المسلحين لنفسه، في حين أن الآخر نتج عن قنبلة يدوية رمتها القوى الأمنية داخل إحدى الغرف.
وبحسب ما ذكر مصدر أمني رفيع لـ«الأخبار»، فإن مجموعة من قوى الأمن الداخلي كانت تقوم برفع الأدلّة من مبنى عبده، وعندما دخلت إلى شقة في الطبقة الخامسة، تبيّن وجود فجوة في حائط المطبخ، داخل خزانة تحت المجلى، وأن الفجوة تؤدي إلى شقة أخرى في الطبقة نفسها. وبدخول المجموعة إلى الشقة الأخرى، عثرت على مسلح مصاب بطلق ناري في رجله. عندها، بدأت القوى الأمنية بمفاوضات معه طالبة منه أن يسلّم نفسه عارياً، خوفاً من وجود حزام ناسف حول جسده. لكن المسلح رفض وفجّر نفسه بعد ساعة من المفاوضات، من دون أن يحدث ذلك إصابات في صفوف أفراد المجموعة الأمنية، ومن دون أن تعرف هوية المسلح. وذكر المصدر أن الشقة لم تكن قد فتّشت بشكل دقيق سابقاً لأن أي إطلاق للنار لم يحصل من داخلها أثناء الاشتباكات. كما ان القوى الأمنية اشتبهت بشقة في المبنى ذاته، لأن باب إحدى الغرف كان موصداً رغم أن الأفراد الذين فتشوا المبنى سابقاً كانوا قد خلعوه، فعمد الأفراد القائمون بالتفتيش إلى رمي قنبلة يدوية داخل الغرفة وإطلاق النار تحسباً لوجود مسلحين.