stronog> رنا حايك
سرقت دوامة العنف التي غرق فيها البلد منذ أيام فرحة احتفال أبنائه بعيد التحرير. صادرت سماء الشّمال المتلبّدة بدخان البارود وخطر قنبلة قد تنفجر في أي مكان في العاصمة وفي أي وقت، رغبة أهلها في استعادة لحظة النصر وتقديم التحية لمن دفع حياته ومماته ثمناً لها.
«استحمّ» رياض الصلح الذي يحتضن المعتصمين في ساحته منذ نحو 170 يوماً، تمهيداً لاستقبال الزائرين.
غُسل ولُمِّع التّمثال الذي نحته الإيطالي ميتزا كوراتي عام 1961 ثم رمّمه السوري عبد السلام قطرميز بعد الأضرار التي أصابته خلال الحرب الأهلية. استعاد التمثال بريقه وعاد ليحتل مكانه منتصباً في انتظار المعرض الذي كان ينوي الفنان التشكيلي جورج الزعني افتتاحه في الساحة تكريماً له.
فالزعني، الذي يؤرقه التشتت اللبناني، كان ينوي اغتنام فرصة ذكرى التحرير لإعادة تصويب مفهوم الاستقلال من خلال تقديم التحية لأحد أهم رموزه: رياض الصلح.
يصف الزعني البيان الوزاري الأول الذي يدعو بعض الأفرقاء اللبنانيين إلى الانقلاب عليه اليوم بـ«أسمى ما كتب في لبنان». يتساءل خلال حديثنا معه: «كيف ننقلب عليه ونحن لم ننفذ منه شيئاً حتى الآن؟»، يفرد له مساحة كبيرة في المعرض، بعدما خطّط جُملَه على لوحات كبيرة الخطاط علي عاصي.
إلى جانب البيان، يشمل المعرض «المؤجل» حتى إشعار آخر نبذة عن حياة رجل الاستقلال، صوراً شخصية مأخوذة في مختلف مراحل حياته، طوابع الاستقلال والتحرير، إنجازات الحكومات الست التي رأسها الصلح، الخطابات التي كتبت في تشعييه، إضافة إلى تصاميم وضعها الزعني وشريكه في المحترف، الفنان التشكيلي فؤاد شهاب، تعكس رؤيا فنية توظف الفن في خدمة الرسالة الإنسانية والسياسية التي تدعو إلى وحدة اللبنانيين.
ففي أحد التصاميم تظهر كلمة «أنا» بجميع الألوان التي ترمز إلى مختلف الأطياف السياسية في لبنان تقابلها كلمة أنا حيادية بالأسود والأبيض في دعوة لذوبان الفردية في وحدة الانتماء للوطن. وفي تصميم آخر سنابل قمح يظلّلها حرف «السين» في إشارة إلى دعوة اللبنانيين لسنابل الصلح.
وقد رصد الحالات المتعددة التي وردت فيها كلمة «صلح» في الكتب السماوية والثقافة الشعبية: فقد ورد في القرآن «في الصلح خير»، بينما في الإنجيل «للصلح وقت وللحرب وقت»، ونصّت شريعة حمورابي على أن «الصلح سيد الأحكام» بينما أنتجت الثقافة الشعبية مقولة «خلّوا مطرح للصلح».
يستحضر محترف جورج الزعني رمز رياض الصلح من منطلق توافقي، يذكّر اللبنانيين به لعلّه يجمعهم تحت راية الوطن بعدما فرّقتهم رايات السياسة الملوّنة بألوان الطائفية والتفرقة.
تبدو التواريخ واضحة في ذهنه: فبعد إعلان الاستقلال عام 1943 وتحقيق الجلاء عام 1946، يأتي التحرير عام 2000 والنصر عام 2006 و«اللي ما عجبه مع السلامة» كما يقول.
لا يفصل الزعني الفن عن الرسالة السياسية والإنسانية التي يحمل لواءها وتدعو إلى وحدة الوطن واتساقه مع نفسه. في هذا الإطار، ينتفض غضباً حين يتذكّر جملة النائب فريد مكاري التي دعا فيها إسرائيل بالـ«الجارة». تخرجه التسمية عن طوره ليصرخ حانقاً: «كيف يصادر بعبارته تلك دم أبنائنا الذي سفك في قتال إسرائيل التي سببت كل مصائبنا منذ 1948؟ فالفن، من منظوره، هو أحد العناصر التوحيدية التي يمكن استخدامها لإعادة لمّ شمل أبناء الوطن وصقل هويتهم الواحدة، من خلال استحضار رموزه.
ثقافة الحياة والأمل هي التي تحرّك الزعني لإقامة معارضه، إلا أن تلك الثقافة عينها هي ما أثنته عن إقامة معرض رياض الصلح اليوم، حفاظاً على أمن الناس الذين سيزورونه، كما نصحه المسؤول الإعلامي في حزب الله غسان درويش.