عرفات حجازي
دخلت أزمة نهر البارد يومها الثاني عشر من دون أن تظهر في الأفق أي معطيات توحي بالوصول إلى مخرج سلمي لها. فالوضع ما زال في دائرة المراوحة، إذ تصر قيادة الجيش على تسليم المعتدين على العسكريين للقضاء، في حين أن منظمة «فتح الإسلام» ما زالت على موقفها الرافض تسليم أي من مقاتليها مهما كانت الظروف، ما يعني أن الوساطات واللقاءات اللبنانية الفلسطينية تصطدم بحائط مسدود، الأمر الذي يعيد طرح مسألة الحسم العسكري الذي أعاد التلويح به مجدداً رئيس كتلة «المستقبل» سعد الحريري، عندما رأى أن الخيارات ضاقت أمام «فتح الإسلام»، فإما الاستسلام أو التعامل معها بوصفها منظمة إرهابية.
لكن القراءة المتأنية في المواقف والتصريحات التي صدرت وتصدر عن أركان الأكثرية والمعارضة، وعن الفصائل الفلسطينية، تشير إلى تراجع خطوط الحسم العسكري واستبعاده كخيار، والتمسك بالمعالجة السياسية التي تعطى لها الفرصة بعد الأخرى، علها تنجح في ابتداع حل يضع حداً لمأزق الاستنزاف الذي لا طاقة للمؤسسة العسكرية على تحمله لأنه يشكل مقتلاً لقدراتها وهيبتها. وإذا كانت الحكومة قد سارعت منذ بدء الأزمة إلى الرمي بكرة النار إلى ملعب القيادة العسكرية وتركت لها حرية اتخاذ القرار المناسب، مع أنه في صلب عملها، فإن القيادة تعاملت مع الموقف بكثير من الهدوء والحكمة والتعقل، مفسحة في المجال أمام المعالجات السياسية لاحتواء الوضع بدل تركه ينزلق نحو انفجار أكبر تحت عنوان الحسم الذي ما زال قائد الجيش العماد ميشال سليمان يضعه في حساباته، لكن ليس في أولوياته، لأنه يدرك طبيعة المهمة التي يتصدى لها وحجم التعقيدات التي تحيط بها. ومن هذا المنطلق يتعامل مع المسألة بمنطق بارد بعيداً عن الضغوط التي تحاول حشره في الزاوية، لأن أي خطأ في الحسابات قد يأخذ البلد إلى مخاطر قاتلة، وخصوصاً بعد أن رمت السلطة السياسية بكل أثقالها على ظهر المؤسسة العسكرية.
على أن الإيجابية الوحيدة التي برزت مع بدء أزمة مخيم نهر البارد تجلت في ذلك التقاطع بين الموالاة والمعارضة وبين جميع الفصائل الفلسطينية من دون استثناء في مساندة الجيش واعتبار المساس به وبمعنوياته وعناصره مساساً بالوحدة الوطنية والسلم الأهلي، وعليه فإن القيادة العسكرية ترى في هذه المشتركات مدخلاً لمعالجة التأزم السياسي، وصولاً إلى قيام حكومة إنقاذ وطني وحدها هي القادرة على التصدي لأزمة نهر البارد ووضع حد للانهيارات السياسية والأمنية لأنه لا أحد في غياب القرار الوطني الجامع يضمن أن تتناسل أزمة نهر البارد ويتكرر ما جرى فيه في أماكن أخرى، وهناك كم من الوقائع والمعطيات تؤكد أن لبنان المكشوف سياسياً وأمنياً هو الساحة الفضلى والجاذبة لكل أنواع التطرف والممارسات الإرهابية. وليس بعيداً عن هذا السياق ما ذكرته صحيفة «نيويورك تايمز» نقلاً عن مسؤولين حكوميين أميركيين وغربيين عن أن العراق دخل مرحلة تصدير المقاتلين إلى الجوار وأن خمسة آلاف من هؤلاء ينتظرون اللحظة المناسبة للتحرك ربما باتجاه لبنان، إحدى الساحات الرخوة والعاجزة عن الصمود في وجه الإرهاب في ظل الأزمة السياسية.
ربما من هذه المنطلقات كانت الزيارة المفاجئة التي قام بها الرئيس اميل لحود للبطريرك نصر الله صفير وإجرائهما اتصالاً أثناء الاجتماع بالرئيس نبيه بري الذي ذكرت مصادر مطلعة أنه كان في أجواء هذا التحرك الهادف لإقامة حكومة إنقاذ وطني يمكنها أن تقود البلاد في هذه المرحلة الصعبة والتغلب على التحديات الأمنية والسياسية والدستورية التي تمهّد الطريق إلى انتخابات رئاسية، وتفضي إلى التفاهم على مجمل العناوين والقضايا العالقة التي فرقت بين اللبنانيين وعمقت الخنادق بينهم، ومن خلالها دخلت الرياح السوداء التي وضعت لبنان على مشارف الانهيار.
في أي حال التطورات تتسارع، فبعد الاتصال الذي جرى بالرئيس بري أثناء اجتماع الرئيس لحود بالبطريرك صفير وأعقبه اتصال مماثل بالرئيس فؤاد السنيورة، علمت «الأخبار» أن لقاء ثلاثياً سيعقد بين الرؤساء لحود وبري والسنيورة في الأيام القليلة المقبلة إذا تجاوب رئيس الحكومة مع الفكرة، بهدف تأليف حكومة إنقاذ وطني تأخذ على عاتقها حل أزمة المخيم وتمهد للاستحقاق الرئاسي في أجواء هادئة ومناخ توافقي. فالأوضاع صعبة جداً ومقلقة وقد تدفع بالبلاد إلى خيارات غير محسوبة سيكون من الصعب السيطرة عليها قبل فوات الأوان.