كامل جابر
فاجأ الأسبوع الثقافي في ثانوية السيدة للراهبات الأنطونيات في النبطية، الزوّار بمعرض منمّق لسلسلة من خمسة وثمانين كتاباً بعنوان «بيادرنا»، ممهورة بأسماء تلامذة الصف الثامن أساسي، من تجليد فاخر بين اللونين، الأزرق والأحمر.
حكاية الكتب في المدرسة بدأت مع مطلع العام الدراسي الجاري، في تشرين الثاني 2006، حيث أطلقت رئيسة القسم الأخت ليون جوزف مشروع «من هلق فيك تكون: كاتب، مؤلف، مبدع». ويهدف المشروع إلى تشجيع التلامذة على صناعة الكتب، بغية تعويدهم على استخدام أسلوب ثقافي راق، بواسطة المطالعة والبحث واكتساب المعرفة، بدلاً من الانسياق خلف الكومبيوتر نحو برامج تافهة أو ألعابٍ مملة. وأوضحت ليون جوزف «سعينا إلى حضّ التلامذة على الاستفادة من المطالعة والانترنت معاً، عبر برمجة ساعات الفراغ في سياق معين، وعززنا المشروع من خلال تحويل الأبحاث إلى كتب تحمل أسماء التلامذة المعدين، وهو ما ترك الأثر البالغ فيهمتحول تلامذة الشُّعَب، 139 تلميذاً، فرادى وزمراً، خارج إطار الدوام والدرس، وفي بعض حصص المطالعة، إلى خلية نحل راحت تنبش في أمهات الكتب ومواقع الانترنت والمجموعات المعرفية عن موضوعات نوقشت في المدرسة والصفوف سابقاً، بين التلامذة أنفسهم ومعلميهم، بالتنسيق مع المعلمة المشرفة ردانا حرب: عن البيئة والطبيعة، التكنولوجيا وعالم الابتكار، الشعر والأدب والفن والتربية. وكان الشرط الأساسي الابتعاد عن السياسة اللبنانية التي يتأثر بها التلامذة تلقائياً وعدم إثارة الحساسيات التي تعكس صورة الأهل في مواقفهم وانتماءاتهم. ومع ذلك لم تخلُ الموضوعات المختارة من بعض أمواج السياسة المتضاربة في لبنان. وهنا تقول حرب: «خففنا من الحدة السياسية واخترنا منها المواقف الوطنية الجامعة التي تركز على الوحدة والمحبة والتعاون».
بدورها، تحولت بعض المنازل إلى ورش بحثية اشترك فيها ذوو تلامذة المجموعات في مساعدة أبنائهم لتأمين المراجع والطباعة «التي كان معظمها من صنع أيادي التلامذة المعدين؛ وقد جاءت حماسة الأهل مماثلة في أن يروا أبناءهم يعدّون بالبحث والمعلومات وإعادة الصياغة والعنونة كتاباً سوف يحمل أسماءهم، فضلاً عن الاهداء الذي استهل كل كتاب من كل الكتب، وكانت للأهل حصة الأسد»، بحسب حرب.
ورأت الإدارة والمعلمون المشرفون في الخطوة تشجيعاً على الاندماج والعمل الجماعي «فالتلميذة المتفوقة في المدرسة التي لا يقل معدلها عن 18 علامة، ورد اسمها ضمن كتاب شاركت فيه رفيقتها التي يراوح معدلها العام بين 12 و13. وقد أدى الاشراف المنظّم ومكتبة المدرسة التي شرعت أبوابها أمام التلامذة من دون أي شروط، دوراً إيجابياً رائداً في تعزيز الفكرة وتحويلها مجموعة من 85 كتاباً، قد ترتفع إلى مئة». على حد تعبير ليون جوزف.
وبلغت تكلفة الكتاب نحو 15 ألف ليرة لبنانية، بين طباعة وحبر وتجليد بقياس 31 سم ×21 سم. وقد غطى التلامذة كل التكلفة والمصاريف، «زيادة في حمل المسؤولية». وحمل كل واحد منها، عناوين لموضوعات مختلفة، بخطوط واضحة ومتنوعة معززة بصور ورسوم تخدم الهدف. ولم تخل الكتب من مقابلات أجراها التلامذة مع معلمين ومهندسين وأطباء متخصصين، فضلاً عن قصائد لشعراء عرب ومحليين ومناطقيين، مع تعريف بسيط، أحياناً بصاحب القصيدة أو القطعة النثرية.
وأُعد كتاب عن التلميذ الشهيد صادق مصطفى حامد الذي سقط في التاسع عشر من تموز، في مجزرة «آل حامد» في مدينة النبطية، وعُزّز الكتاب بصور عن المجزرة وعن زميلهم وبعض ما كتب قبل استشهاده، وقصائد شعرية اختارها التلامذة لتعبر عن عواطفهم تجاه من فقدوا.
وهكذا خرج التلامذة من خلال مجموعتهم «بيادرنا» بمعلومات وأفكار حول صناعة الكتاب، من الفكرة إلى البحث، إلى المسودة والتصحيح (الذي أشرفت الإدارة عليه بالمطلق) ثم الطباعة «النظيفة» والتنضيد والتجليد، إلى العرض أمام القراء.