غسان سعود
الــراعي: الممارســة بيّنــت ثغــراً في صلاحيــات الرئيــس لا بــد مــن معالجتهــا

هل يحمل البيان الشهري المقبل للمطارنة الموارنة، الرقم واحد، من حيث نوعية مواقفه واستهدافاتها، وبالنقاط الواضحة على حروفه؟
هذا ما يبدو أن المطارنة يتهيأون له، بعدما وصلت «الموسى» إلى رقبتهم من سياسة الأكثرية النيابية، بحسب أحد المطلعين على أمور الصرح. وهم اذا كانوا قد تجنبوا حتى الآن التعليق على أحداث الشمال، والظهور العلني الأول للخطاب السلفي الداعي إلى محاربة «الصليبيين» في كل المناطق اللبنانية، فبانتظار الاتفاق على موقف واحد، تُجمع إشارات عدة على تميزه بقساوة تجاه السلطة، يعبّر عنها للمرة الأولى.
ويقول المصدر المطلع إن المسيحيين، في هذه اللحظة، «يواجهون، للمرة الأولى، خطراً وجودياً حقيقياً وذعراً يهيمن على كلامهم وتصرفاتهم وتنقلاتهم، وظهرت خلال الأسبوع الماضي أمام قادة الموارنة الروحيين صور عدة ضاعفت خوفهم من أن يكون مصير مسيحيي لبنان أشبه بمسيحيي العراق الذين عانوا ما عانوه وهجروا بلدهم تحت أنظار القوات الأميركية التي لم تجد ما تقدمه لهم إلا تأشيرات السفر حين اشتدت حدة الأمور».
وفي انتظار أن يضع البطريرك مار نصر الله بطرس صفير لمساته النهائية على موقف الكنيسة من هذا الموضوع، يقول المطران بشارة الراعي إن ما يحكم مواقف المطارنة وأداءهم هو «همّ الحفاظ على الوجود المسيحي، وشد عزيمة المسيحيين ليصمدوا في وطنهم ويواصلوا رسالتهم المسيحية في محيطهم، خصوصاً أن لهم في هذه المساحة من الشرق دوراً لا بديل عنه على كل المستويات، مثلما يذكر تاريخهم، وتشهد مآثرهم».
ويرى الراعي أن دخول المسيحيين طرفاً في الصراع المذهبي «لم يكن خياراً، بل نتيجة لتحالفات الانتخابات النيابية. وما عادوا يستطيعون ربما العودة إلى الوراء». ويتمنى في هذا السياق لو نجح المسيحيون في أن يكونوا في الوسط «ليشدوا بفريقي الصراع إلى التفاهم حول مصلحة لبنان وشعبه العليا»، موضحاً «أن الكنيسة لا تسعى دوماً لإرضاء كل الأطراف، بل تسعى إلى جمعهم حول ما يجمع ولا يفرق. فتمد الجسور مع الجميع بالارتكاز على ما عندهم من حق، أملاً بالوصول مع الجميع إلى الحقيقة كلها. فلا توالي أحداً بالمطلق ولا تعارض أحداً بالمطلق».
وقال إن الكنيسة «تدعو الموالاة والمعارضة إلى ممارسة الديموقراطية وفقاً للأصول الدستورية. وهي ترفض بشدة استقرار حالة الخلاف التي تعطل المؤسسات الدستورية، وتشلّ الحركة الاقتصادية. وترى في هذا السياق أن طرفي الصراع يتحملان مسؤولية الأذى الكبير الذي يلحق بلبنان وشعبه ومصالحه ومؤسساته». وتمنى «لو ينجح المسيحيون في أن يكونوا صمام الأمان، لا فريقاً في صراع المحاور الإقليمية المترجمة على أرضنا لغير مصلحة لبنان وشعبه ومصيره».
وعن زيارته الأخيرة إلى سوريا، التي تفردت «الأخبار» بنشر معلومات عنها، يؤكد الراعي أنها كانت «حصراً رعوية. وهدفت الى إلقاء مواعظ في ثلاثية مريمية أقيمت في كاتدرائية مار أنطونيوس المارونية في دمشق». ويؤكّد عدم لقائه أي مسؤول سوري، مشيراً إلى أن للكنيسة المارونية «أبرشيات في سوريا ورعايا ومؤمنين فاعلين في محيطهم على المستوى الروحي، الثقافي، الاجتماعي، والوطني. وسوريا لا تعني نظاماً سياسياً فقط. بل تعني أيضاً شعباً وتراثاً وتاريخاً وكنيسة».
أما في موضوع الانتخابات الرئاسية، فيلفت الراعي الى «أن الكنيسة تدعو إلى اجراء انتخاب الرئيس في موعده، وفقاً للأصول الدستورية والديموقراطية. وأن يتم انتخاب شخص على مستوى التحديات الراهنة، ويكون حراً وغير مرتهن لأحد أو لفئة أو لأية مرجعية خارجية، وأن يكون لجميع اللبنانيين، موالين ومعارضين وحياديين. ويعنيها أن يحضر جميع النواب إلى الجلسة الانتخابية، وأن يتم انتخاب الرئيس بأكبر عدد ممكن من الناخبين. وهي تمقت التلاعب في النصاب ومحاولة تهريبه»، معتبراً أن «الفاعلين، إذا وجدوا، يقاطعون الوطن ويسيئون الى الشعب الذي فوض إليهم تحمّل المسؤولية باسمه».
وفي ما يخص رئيس الجمهورية اميل لحود، قال الراعي إنهم يغطونه «أسوة بباقي الطوائف»، لأنهم يرونه «رئيساً لكل اللبنانيين لا للموارنة أو للمسيحيين. وهو لا يحكم باسم الكنيسة بل باسم اللبنانيين كلهم. وهو رئيس منفصل عن الكنيسة في ممارسة مهمته». وأمل أن تحذو الطوائف الأخرى حذو الكنيسة «فلا نمذهب الوظيفة العامة».
وكشف «أن الممارسة بينت أن ثمة ثغراً في صلاحيات رئيس الجمهورية، لا بد من معالجتها في البرلمان اللبناني عبر حوار هادئ وصريح»، متمنياً «أن يصل اللبنانيون إلى تسوية تاريخية تكون عقداً اجتماعياً جديداً يحمون به فلسفة العيش المشترك، على أسس تأكيد الحضور الوطني المتوازن بين المسيحيين والمسلمين، نهائية لبنان وطناً لكل بنيه، وحياد لبنان عن صراع المحاور الاقليمية». وقال إن الكنيسة «تصبو إلى انشاء دولة عصرية بديلاً من تجمع طوائف متناحرة، حيث يتحول الأفراد من رعايا طوائف إلى مواطنين ملتزمين بالولاء للدولة، ويتحررون من الحاجة إلى وسيط أو شفيع لدى دولتهم، وحيث يشعر المواطن بأنه موظف عند سيد واحد هو لبنان».