باريس ـ بسّام الطيارة
  • مقاربة فرنسية جديدة لمعالجة الأزمة اللبنانية والانفتاح على «حزب الله» سيستكمل
    فندق الجنرال ميشال عون في باريس يبعد أمتاراً عن الشانزيليزيه، وهو «فخم ومتواضع»، يذكّر بفندق العميد ريمون إده الذي «لجأ إلى باريس» ولم تتوافر له، بعكس زعيم التيار الوطني، الظروف السياسية ليعود إلى الوطن.

    البرنامج الفرنسي للجنرال مشحون بالمواعيد واللقاءات: وفد إعلامي يخرج ليحل محلّ وفد آخر. لقاء مع سياسي، تعقبه عودة إلى الفندق للقاءات أخرى تسبق مائدة غداء مع 20 إعلامياً فرنسياً في تغطية يتفق الجميع على زخمها، وبالتالي تشير إلى أهمية الزيارة التي يقوم بها أحد أقطاب المعارضة في الفترة الدقيقة التي يجتازها لبنان.
    في صالونه الخاص، حيث استقبل «الأخبار»، يتكلّم عون بصوت مريح، بخلاف ما يمكن أن يتبادر لمن يتابع «نشاطه الباريسي»، ويستشهد بالماريشال كليمونصو وبكلمة «تركت أثراً كبيراً في نفسي» مثلما أسرّ لنا: «إذا كنت تريد أن تخدع أحداً... فقل له دائماً الحقيقة». ويضيف إلى كلمة «رجل فرنسا الكبير»، فيستطرد «لأن الصادق يصدقك والكذاب يخدع نفسه».
    المرونة التواصلية لدى الزعيم اللبناني أخذت نفساً جديداً في باريس، ويبدو مدركاً للوقت القصير المخصص لكل إعلامي، لذا فهو يذهب مباشرة إلى الموضوع وهو: وثيقة التفاهم مع «حزب الله»، والتي تبدو محور الأسئلة الأكثر تناولاً من جانب وسائط الإعلام. يصف الجنرال الوثيقة بأنها «لخدمة لبنان» بما فيها النقاط الخلافية «حتى ولو أخذت نقطة نقطة» فهو يرى أن «وجود النقاط الخلافية أمر إيجابي يخدم المجتمع اللبناني ويزيد الاستقرار» وإن اعترف بأنه يمكن أن «توجد نقطة خلاف واحدة» ومع ذلك لا يرى ضيراً منها.
    وذكرت بعض المصادر أن الجنرال أجاب عن سؤال عن «نقطة الخلاف مع حزب الله وعما إذا كانت حول سلاحه» بأن شرح بأنه كان مع تسليم سلاح «حزب الله» للجيش بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من الجنوب، غير أن بقاء مزارع شبعا محتلة جعل من هذا السلاح «سلاح مقاومة بنظر عدد كبير من اللبنانيين».
    القضية بالنسبة لعون هي «قضية مبادئ»، مؤكداً أن «السياسيين لن يغيروا آرائي لأكون طائفياً». ويستطرد «لن يفصلني أحد عن أي طائفة»، ويصف قوته بأنها مستمدة من ثقة الناس به بينما يقول «إنني ضعيف لأنني لست تاجراً».
    ويدخل الجنرال في الحديث السياسي كأنه يرسم صورة للموقع الذي هو حديث الساحة اللبنانية، فيقسم الواقع السياسي إلى «موقع ودور»، معتبراً أن على السياسي «إذا وجد تناقضاً بين الدور والموقع أن يختار الدور». ويستطرد كأنه يدرك الخبر المنتظر بالقول: «بين موقع رئيس الجمهورية وبين دوري أختار دوري»، الا أنه يستدرك: «لكن عندي وعي بما يمكنني أن أحققه في موقع الرئاسة».
    هذا هو السؤال الذي ينتظره اللبنانيون: كيف جرى تناول الملف الرئاسي خلال اللقاء مع وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير؟
    من الصعب الادعاء أن المشاورات مع المسؤولين الفرنسيين لم تتطرق إلى هذه النقطة. يجيب الجنرال بسرعة: «لم نتطرق إلى مسألة الرئاسة من ناحية ترشيح وترشح، لكننا تباحثنا في الرئاسة كاستحقاق لا بد من أن يتحقق بأفضل الشروط». وتابع: «الشروط الحالية تتضمن عيوباً كثيرة».
    هل تلمست ممانعة لدى الفرنسيين من أن تكون رئيساً؟ الجواب كان سريعاً، لكنه هادئ: «لا أعتقد». رددها مرتين «لا أعتقد في الأجواء الجديدة».
    ويرى زعيم التيار المحادثات مع الفرنسيين بأنها «جولات أفق»، ومن ذلك يمكن استخلاص سبب عدم وجود «نقاط توافق أو نقاط افتراق»، مؤكداً أن «النقاش سيتابَع». ويصف التواصل مع الفرنسيين بأنه مثل «المحضر أو التقرير الذي يشير إلى المشكلة» وأن معرفة المشكلة تقود إلى الحل، وأن وضع العلاقات مع فرنسا «ليس غامضاً»، بل هو وضع مسبوك بـ«الصراحة، مما يسمح بإضاءة نقاط الإشكال بضمير الطرفين». فالأمور، بحسب الجنرال، عادت إلى «إطارها الحقيقي» ولم تعد في «إطار وهمي».
    ومن هنا يرى عون أن الأسئلة التي كانت تنهار عليه «مثل: كيف أصبحت سورياً؟» أو «كيف تتحالف مع حزب الله» بات ممكناً الإجابة عنها بوضوح بعيداً عن الأوهام، ويقول إنه كان يسأل سائليه عما إذا كان مطلوباً حروب مع ثلث البلد عوضاً عن «الوفاق الذي عبره يمكننا أن نحل النقاط الخلافية ونتوصل إلى بناء الثقة». ويقول إنه «فسر لمحاوريه أن مواقفه بعيدة جداً عن المصلحة الانتخابية، وهي لمصلحة البلد والمبادئ التي قادت سياسته دائماً» وهو ما «لم يكونوا متعودين عليه».
    وهل من مقاربة جديدة لمعالجة الأزمة اللبنانية؟ «نعم توجد مقاربة جديدة يشير إليها انفتاح فرنسا على الحوار معنا». ورغم اعتبار الجنرال أنها خطوة أولى، فإنه يؤكد أن «عمل الفرنسيين سريع». ويشير إلى الانفتاح الذي حصل باتجاه «حزب الله»، ويقول بأن الانفتاح «إداري وسياسي» وسيستمر، وإن «رأي حزب الله سيصل مباشرة» إلى الفرنسيين، مما يمكن أن يشير إلى جهود خلف الستارة لمعاودة الاتصال الذي برزت مؤشراته خلال زيارة الوفد النيابي لـ «حزب الله» إلى باريس
    أخيراً.
    وكانت مصادر موثوقة قد أبلغت لـ «الأخبار» أن الفرنسيين يدرسون «آلية جديدة لمعالجة الأزمة اللبنانية بشكل شامل» تتضمن طرح فكرة «جمع الأطراف حول طاولة مستديرة» يكون فيها حضور للقوى اللاعبة على الساحة اللبنانية بشكل أو بآخر على غرار «مؤتمر دول الجوار» الذي عقد بشأن الأزمة العراقية.
    لم يؤكد الجنرال هذه المعلومات ووضعها على حساب «النوايا». واستطرد قائلاً إن البعض «يرى في دول الجوار... المعارضة»، مكرراً أن «وثيقة التفاهم» هي حتى الآن «الحل الأمثل لانطلاق الحوار بين اللبنانيين» مع انفتاحه على «أي صياغة جديدة أسلم» يقدمها «الطرف الآخر».