ثائر غندور
أمور كثيرة تغيّرت في كلية الحقوق والعلوم السياسية ـــ الفرع الأول منذ انتقال المبنى إلى الحدث. اختفت صور الرئيس نبيه بري والسيد موسى الصدر من غرفة مجلس طلاب الفرع. «أدوات الضرب» التي تعوّدها الطلاب في المبنى السابق في الصنائع لم تكن ظاهرة للعيان في الحدث، مثلما كانت الحال هناك. الدخول إلى الكلية مغامرة جميلة إلى حدّ ما، فهي الكلية التي لطالما وُصفت بـ«المشاغِبة»، ونُعت طلابها بـ«الزعران». وكان اسم «الحقوق» قد تحول في الفترة الماضية من الإشارة إلى القانون إلى الدلالة على العنف والاعتداء على الأطراف السياسية المعارضة لقوى الأمر الواقع. وقد أدى طلاب الكلية دوراً في إشاعة هذا الجو، «وساهمت وسائل الإعلام أيضاً»، بحسب رئيس مجلس طلاب الفرع وسيم كوثراني. لكنّ المشهد يختلف من الداخل. يهتم الطلاب بدراستهم وامتحاناتهم، حتى مسؤولو حركة أمل. يناقشون مع زملائهم تفاصيل المسابقات التي تليها عبارة «الحمد لله لازم كون عملت منيحربما، تصرخ عيونهم بعبارة: «نحن طلاب مثل باقي الطلاب». وإذا كانت القوى السياسية تتحكم بتفاصيل الأمور في كل كليات الجامعة اللبنانية، فلماذا الإضاءة دائماً على ما يحدث في الحقوق، يتساءل كوثراني الذي سلّم أمور المجلس لمسؤول حركة أمل في الكلية هيثم البعلبكي.
يتألف مجلس طلاب الفرع من أربعة وثلاثين عضواً، ستة وعشرون منهم يمثلون سنوات الإجازة وثمانية لطلاب الدبلوم. تجري الانتخابات على أساس السنة المنهجية فينتخب طلاب السنة الأولى في اختصاصي الحقوق والعلوم السياسية تسعة ممثلين، وتُعدّ هذه النسبة ثابتة لا ترتبط بعدد الطلاب. يُمكن القول إنّ المجلس لا يعمل بشكل مؤسساتي إذ لا موازنة سنوية بحسب وسيم كوثراني، «فأنا تسلمت المجلس وما في ولا ليرة ورح سلمو هيك». ويضيف أنّ المداخيل تنحصر بالمطبوعات التي تُنفَق أموالها على توزيع بعض الأوراق مجاناً، وإقامة عدد من النشاطات منها نقل الطلاب كل اثنين وأربعاء إلى قصر عدل بعبدا لمشاهدة المحاكمات الجنائية أو تكريم عدد من الأساتذة والطلاب والقيام بنشاطات ترفيهية. وفي ما عدا ذلك لا يقوم المجلس بأي دور، فلا يحضر ممثل عنه اجتماعات مجلس الفرع الأول في الكلية ولا يراقب عملية إصدار النتائج، رغم أن علاقة المجلس جيدة مع مدير الكلية، ولا يعرف رئيس المجلس السبب «هيك معوّدين». في المقابل، يرى عدد من متخرجي الكلية وبعض طلابها الحاليين أن غياب مجلس الطلاب عن عملية إصدار النتائج تفصيل لا أهمية له، إذ يكون قد سبقه تنسيق بين مسؤولي «أمل» وبعض الأساتذة بشكل يضمن «زيادة بعض العلامات». اتهام يبقى من دون دليل حسّي إلى الآن وإن أكّده عدد لا يُستهان به من الطلاب وبعض الموظفين الإداريين الذين رفضوا ذكر أسمائهم «حتى ما يطير راسنا» على حدّ تعبير أحدهم.
يتوزع عمل المجلس في غرفتين، تستخدم الأولى مكتبة لبيع كتب القانون المطلوبة، والثانية تضم ثلاث آلات تصوير ومكاتب عدة «سرقناها من الجامعة» يقول كوثراني. في صدر الغرفة الثانية صورة لطالبة الكلية الشهيدة زينب الموسوي التي سقطت ضحية العدوان الاسرائيلي الأخير. في هذه الغرفة، يشرح كوثراني معاناة من يتسلم رئاسة المجلس، «كنت أبقى من الثامنة صباحاً حتى الثامنة مساءً في الجامعة لمتابعة كل التفاصيل لأكثر من أربعة آلاف طالب». ويُضيف، ان الذي يريد أن يتحمل المسؤولية عليه أن يكون مستعداً للتضحية، «لأنه يخسر ولا يربح». وبعد أن يُنهي كوثراني رسم الصورة القاتمة لوضع المتابعين للشأن العام، يدخل في تفاصيل الانتخابات المقبلة ويلفت إلى أنّ الموعد لم يحدد بعد، لكنّ مؤشرات «الحقوق» توحي باستمرار نهج السنوات القديمة: تزكية لمصلحة حركة أمل. ويرمي كوثراني الكرة في ملعب القوى السياسية الأخرى التي ترفض دائماً التحالف ضمن منطق «النصف زائد واحد» لحركة أمل. وتبدو الثقة من خلال حديث كوثراني عن الكوتات الحزبية في الجامعة، «عندما جرت الانتخابات في العام الماضي بعد انقطاع لسنوات بسبب التزكية، ظهر للجميع حجم حركة أمل التي استطاعت أن تنجح في جميع الصفوف بفرق شاسع في الأصوات». يُمكن القول إن ثقة كوثراني مبرّرة، لكن غير المبرر هو الدمج المطلق بين حركة أمل ومجلس الطلاب، والذي يعيد للأذهان الصورة القديمة للحقوق: «ثكنة لحركة». فلا وجود للأحزاب الأخرى وإن بشعار واحد، وحده بوستر فيلم «أيام بيروت» لمي المصري يوحي بأنك خارج مكتب تربوي لحركة أمل، رغم أنّ شعارات «أمل» قليلة نسبياً ربما بسبب قرار قيادتها عدم لصق الصور والشعارات في الجامعة أو لأنّ وجودهم في هذا المبنى جديد نسبياً. لا يزال طلاب «أمل» يعترضون على الانتقال إلى الحدث بقرار رئيس الجامعة الذين اضطروا للخضوع له. ينتهي اللقاء مع مجلس الطلاب بتحيات بروتوكولية، يُضيف كوثراني: «كنّا نتمنى أن نضيّفكم شي، بس بعدنا ناطرين الكافيتريا» و«على الوعد يا كمّون».