راجانا حميّة
لا تزال الهموم السياسيّة «تنهش» أحلام الطلّاب و«تقضّ» مقاعدهم الدراسيّة، لتمنعهم من التفكير بغير «الواقع المأزوم الذي يعيشه لبنان»، ولاحقتهم حتّى في الفترات التي يفترض أنّها مخصّّصة للترفيه، وتربّصت بمسارحهم كأنّه لا «وجود لأحد في حضورها». ثلاثة عروض مسرحيّة غرقت في السياسة حتّى الثمالة، لا لشيء، بل لأنّ الطلّاب لم يفلحوا «في السير عكس التيّار في لقطاتهم»، فتقمّصوا «الوضع الراهن» إلى حدٍّ انكسر فيه الحاجز بين الواقع والتمثيل.
«شي براس وشي بلا راس»، عنوان العرض الأوّل الذي قدّمته طالبات ثانوية زاهية قدّورة الرسميّة، في إطار اليوم الثالث من المهرجان المسرحي المدرسي. تعمّدت الفتيات منذ اللحظة الأولى للظهور تسليط الضوء على «الوضع الخربان اللي هابب بالبلد»، من خلال حركاتهن الجسدية الصارخة والعنيفة تارة والراضخة تارةً أخرى، «مثل حال شعب البلد». واعتمدن في عرضهنّ على اللقطات الخاطفة حيث تمرّر الفتيات في كل واحدة منها «رسالة تهدئة...أو تهديد»، تخرقها مقطوعات موسيقية وومضات ضوئية تخفت وتعلو تبعاً للغة الرسالة والهدف المرجو. ونقلت الطالبات الصراع اللبناني إلى خشبة المسرح، فحملن معهنّ الهويّة والطائفية وخريطة الألوان، وطالبن بـ«الحقيقة». وبعن «الوطن بالمزاد» وعرضن صور «القنّاصين والدمار والموت والعنف». وطالبن «سياسيينا» بوقف «المهاترات» لأنّ البلد «مش بحاجة لحرب أهليّة».
لم تختلف الهموم في عرض فتيات مدرسة الراهبات في طرابلس، وإن اختلفت التسمية، فيشعر المشاهد وكأنّ «الولد بلد» امتداد لـ«شي براس وشي بلا راس». وتتمحور قصّة «الولد بلد» حول امرأة حامل تخطّت شهرها الحادي عشر ولم تلد، لأنّ جنينها يرفض الخروج لأسباب سياسيّة وماديّة، وأخرى تتعلّق بالتسمية والهويّة والطائفة ووو... وتدور أحداث العرض في غرفة العمليات، حيث يعمد الدكتور إلى إقناع الجنين «المتمترس في بطن أمّه» بالخروج، إلاّ أنّ الأخير يرفض «لأنّو أهلي بعد ما اتّفقوا على اسم موحّد لإلي وصارت عمتي بدها تتدخّل وستّي وجدّي» وثانياً «لأنّو غرفتي بالبيت بعد ما خلصت وبابا مش قادر يفرشها إلاّ بالتقسيط»، وثالثاً لأنّ «الجو برّا مش مروّق...فخلّينا جوّا». وحاولت الطالبات من خلال العمل تسليط الضوء على ثلاثة أمور «تتحكّم بالمصير اللبناني: الطائفيّة والانهيار الاقتصادي والتدخّل الخارجي في السياسة المحليّة».
أمّا طالبات ثانوية الكوثر، فانحرفن قليلاً عن النمط السائد في العملين السابقين، وركّزن في عملهن «حجر» على تجسيد الأمومة.