راجانا حميّة
حملــوا صـور شهــداء الـ 75 وأســاور بيضــاء ورسائــل اللاعــودة إلى الحــرب

... 13 نيسان 1975، توشّحت بيروت بالسواد، وسادها صمت رهيب، ذلك الصمت الذي انتهى بإعصارٍ من الدماء... 13 نيسان 2007، المشهد يتكرّر، تعود الذاكرة 32 سنة إلى الرصاصة الأولى... تسترجع خطوط التماس ومشاهد المسلسل الدموي الطويل «مدجّجة» بصور الضحايا والدمار والركام... والقنّاصين.
بعد 32 سنة من الغياب، ترجع الحرب بزخم الـ75 إلى أذهان شبابٍ لم يعيشوها ولم يعرفوا عنها سوى ثلاثة خطوط تماس: الطيّونة وساحة ساسين في الأشرفية والسوديكو حيث لا تزال أحد معالمها منتصبة. يستحضرونها ببشاعتها لتذكير مجتمع يدمن النسيان، بدماءٍ بريئة وآلام أمّهاتٍ ثكالى.
«ت ما نعيدا»، حملة صراعٍ جديدة ضدّ النسيان، بدأتها، أمس، مجموعة طلّاب جامعة هايكازيان «رؤية»، عند خطّ التماس الأوّل في الطيّونة. لبسوا الأسود ولوّنوا وجوههم بألوان أعلام الأحزاب وحملوا صور الشهداء متجوّلين بين السيّارات وفي أيديهم علم بلدهم ورسائل سلامٍ تنشد اللاعودة «بإرادتنا ما رح نعيدا... ونحنا أَوعا من إنّو نعيدا... وما بدنا نرجع».
نصف ساعة عند التماس الأوّل، وزّع خلالها شباب «رؤية» ذكريات الحرب الأهلية على المارّين، ثمّ حملوا صورهم «المهترئة» وانطلقوا في حافلة «عين الرمّانة» المزدانة بصور ضحاياها إلى ساحة ساسين، نقطة التماس الثانية. هناك، في ساسين، نزل شباب «رؤية» من الباص لنصف ساعة أخرى، يذكّرون فيها أبناء ذلك الخطّ بالاشتباكات التي دارت رحاها فيه جارفة آلاف الضحايا. وقفوا عند المفارق الأربعة، يوزّعون رسائلهم والأساور البيضاء. هنا، في ساسين، أعادت صور الشهداء على صدور الشباب الذاكرة إلى من عايشوا تلك الحرب، ومنهم سلمى، المرأة الستينيّة التي لم تتمالك نفسها أمام صور الجثث، فرفعت يديها إلى أعلى تصرخ بصوتٍ يخنقه الخوف «هيدي ما لازم نرجعلها... لازم نضل نتذكّر اللي صار ت ما نصير متلن ضحايا». سلمى واحدة من الكثيرين الذين عايشوا الحرب في الـ75 واسترجعوها أمس مع شباب رؤية في ساسين، ومن لم يعايشها من جيل الشباب، وقف يسترق النظر إلى الجثث المحروقة والأبنية المدمّرة على صدور الشباب.
انتهت وقفة ساسين، حمل الطلّاب «حربهم» إلى نقطة التماس الثالثة عند السوديكو، وتحديداً إلى مبنى بركات الذي لا يزال يشهد على قساوة حرب الـ75، وهو المبنى نفسه الذي اعتصم أمامه الشباب الخائف على وطن... أما طلّاب هايكازيان فوقفوا أمامه وأعادوا مشهد خطّي التماس الأوّلين: منشورات تدعو للّاعودة، وأساور بيضاء، وبرنامج مجموعة رؤية الذي يعرّف بها على أنها «شبابية طلّابية تؤمن بالتنوّع والحوار البنّاء وتعارض جميع أشكال التعصّب وتهدف إلى نسف فكرة الحرب ونشر الوعي ومحاربة الفساد والتشجيع على الديموقراطيّة». وبعد إنهاء توزيع المنشورات، توجّه الطلّاب إلى مبنى بركات ووضعوا عليه لوحة كبيرة سوداء كتب عليها بالأحمر واللغات الأربع (العربية والفرنسية والإنكليزية والأرمنية) «1975... بإرادتنا ما رح نعيدا».
غير أنّ ما حصل في السوديكو، أعاد إلى الأذهان مقولة «الشعب المدمن على النسيان»، إذ لم تسمح القوى الأمنية للطلّاب بوضع اللوحة لأكثر من نصف ساعة بناءً على أوامر من «القيادة العليا» تمنع النشاطات السياسيّة.