strong>نقولا أبو رجيلي - أسامة القادري
في الذكرى الثانية والثلاثين للحرب فإن مجموعة من المقاتلين السابقين في أحزاب لبنانية عدّة، يتذكرون متّعظين «عبثية» الحرب ومحذرين جيل اليوم من تكرار مشهدهم الذي دمر البلاد. مقاتلون سابقون قدموا نقداً «لحربهم» وتحدثوا بكل جرأة عما «مارسوه» من اقتتال أهلي وطائفي ومذهبي انتهى ببقائهم على قيد الحياة. يروون لأولادهم «سواد» حرب لا تقدم إلا «الدمار والموت».
قاسم المكحل (42 سنة) انتسب الى أفواج المقاومة اللبنانية «حركة أمل» لقناعته بأفكار السيد «المغيب» موسى الصدر ودفاعه عن حقوق المحرومين ومقاومة الاحتلال.
يتذكر المكحل وهو يفرك بجبينه عله يجلي بشاعة صور الحرب اللبنانية: «شاركت على عدة جبهات ومحاور، في الشرقية والغربية وزحلة وحرب المخيمات مع الفصائل الفلسطينية، لا تفارق مخيلتي مشاهد أشلاء القتلى والجرحى من جميع الأطراف المتحاربة والدمار الذي لحق بالمباني». وحتى الآن لا يعرف أبو محسن من أجل ماذا ولماذا حصلت تلك الحروب الداخلية ولأي أهداف. ثم يستطرد في الحديث عن المعاناة التي يعيشها حالياً بسبب ضياع مستقبله من أجل لا شيء، وهو يعمل اليوم في مؤسسة لبيع مواد البناء بصفة عامل براتب شهري لا يتجاوز الحد الأدنى للأجور «بالكاد أعيل عائلتي المؤلفة من ولدين وأتعمّد دائماً بذكر مآسي تلك الحروب امام ولديّ وأصدقائي ناصحاً إياهم بعدم الانجرار الى أي حرب داخلية او فتنة مذهبية او طائفية وعدم الانبهار بشعارات الزعماء السياسيين».
أما إبراهيم العوطة (52 سنة) من بلدة «علي النهري قضاء زحلة» الذي أيضاً ترك سلك الدرك بعد خدمة ثماني سنوات، فيعتبر نفسه «من الرعيل الأول في تأسيس حزب الله من أجل تحرير الأرض من الاحتلال وتقويم اعوجاج الدولة والحفاظ على حقوق المحرومين. بدأت مهمتي الأولى بإجراء التدريبات العسكرية لمجموعات من الشباب الذين شاركت وإياهم في عدة عمليات على العدو. وبعد عام1989 وتولي الشيخ صبحي الطفيلي الأمانة العامة للحزب شاركت في جميع المعارك التي وقعت بين الحزب وحركة امل، وحتى في أعنف تلك المعارك التي كانت في اقليم التفاح والتي ذهبت ضحيتها أعداد كبيرة من الطرفين». ويؤسفني أن كل الضحايا كانوا من المذهب الديني الواحد ولغاية اليوم لا أعرف لماذا حصلت تلك الحرب وإلى ما انتهت». وعند محاولته الوقوف بصعوبة من على المقعد الذي يجلس عليه ذكر العوطة «هذه من نتائج الحرب، أصبت في العمود الفقري اثناء قيامي بنقل الذخيرة من أحد المخازن بعد ان انهارت علي صناديق الذخيرة، إضافة إلى إصابتي بكسور في القفص الصدري لدى قيامي بالتدريبات العسكرية».
غسان حوراني (47 سنة) تبدأ قصته وهو في الرابعة عشرة من العمر عندما كان يتولّى النشاطات الكشفية لحزب الكتائب في بلدته البقاعية، وعام 1976 انخرط في حزب الكتائب «قوى الأمن الكتائبية sks». خضت عدة معارك في محاور بيروت وزحلة ومن ثم جميع معارك حرب الجبل بدءاً ببحمدون مروراً بالانسحابات التي حصلت حتى شرق صيدا وهناك في إحدى الليالي تلقينا اتصالاً بواسطة الجهاز اللاسلكي يقول فيه المتصل: «ثبتوا مواقعكم في هذه المنطقة لأن المخطط حتى كفرفالوس. من هنا بدأت تساوره الشكوك في هذه الحروب التي جرت، كلها مخطط لها، وهناك خطوط حمر متفق عليها بين الجميع. عندئذ تركت المنطقة وبواسطة مركب صغير انتقلت بحراً من صيدا الى بيروت ومنذ تلك الفترة قررت ترك كل شيء والعودة الى قريتي، لكن سبب بقائي كان وضعي المادي السيء، لذا بقيت وشاركت في جميع الانتفاضات التي حصلت ضمن الصف الواحد وآخرها ما حصل بعد الاتفاق الثلاثي في دمشق. غسان يتذكر بمرارة المعارك التي أدت الى إصابات عديدة وسقوط العشرات من القتلى والجرحى من رفاقي وحتى من الأطراف الأخرى مما نغّص عليهم حياتهم، ويضيف «أكثر ما أندم عليه هو أنني تركت سلك الدرك لأنني لو بقيت لكنت اليوم من عداد المتقاعدين الذين أمّنوا آخرتهم من خلال التقديمات الصحية وراتب التقاعد». وأردف بقطع وعد على نفسه بأن «يمنع أولاده من الدخول مجدداً بأي حرب أهلية قد تحصل متخوفاً من الأجواء التي تخيم حالياً على نفوس اللبنانيين».