نادر فوز
التاسعة صباحاً. يمسك عبد بعض الأوراق الشخصية وينتظر أمام مكتب أحد مخاتير بيروت بالقرب من مصرف لبنان في شارع الحمرا. «صوِّر لي نسخةً عن الطلب وإخراج القيد، وأحضر أربعة طوابع»، يقول المختار. ينهي عبد «المعاملات» ويعود إلى المختار. ينتظر قليلاً ريثما يتم «التصديق». يتحدث المختار عن قدوم أربعة أشخاص لإنجاز المعاملة نفسها فيسأل «لماذا كل هذه الطلبات؟». يأتي جواب عبد صريحاً ومحدوداً: «أقدّم الطلب بشكل فردي، لأنني أريد أن أشطب الإشارة إلى الطائفة في قيدي في سجلات النفوس». ثمّ يستكمل حديثه مشيراً إلى أنّ الدستور ينصّ على «حرية الاعتقاد ويصفها بأنّها مطلقة، وهذا لا يعني بالضرورة التخلّي عن الدين أو الطائفة». يتسلّم عبد نسخته «المصدّقة»، ويترك المكتب المزيّن بصور لـ«السيّد» و«الأستاذ» وشافيز. يقطع خطوات قليلة ليدخل دائرة نفوس بيروت.
في «المأمورية»، بدأت «مأموريات» الموظفين وتجاهلهم التام لأسئلة واستشارات المواطنين. يقف عبد في «الصف» أمام نافذة زجاجية مطلّة على مكاتب «أمراء» الدائرة. يقدم عبد الطلب، يعيده إليه أحد الموظفين المتخفي وراء نظارات سميكة، بحجة تسجيله في الدائرة قبل تقديمه. سؤال بديهي يطرحه عبد «وين يعني؟». جواب بديهي أيضاً: «فتّش»، فاستدراك «لن تستطيعوا فعل شيء». استفزت العبارة الأخيرة عبد فقال: «الدستور يكفل لي هذا الحق».
يقف عبد محتاراً، ينظر إلى المكاتب المجاورة، ينظر إلى الساعة، يتمتم «بعد نصف ساعة يجب أن أكون في العمل». يصل أحد أصدقائه «العلمانيين»، حاملاً الطلب نفسه. يروي عبد ما جرى معه. الحلّ الوحيد كان الدخول إلى مكتب رئيس الدائرة. الوساطة أدت إلى استجابة الموظفين. مفاجأة أخرى تعترض عبد: الشخص الذي يجب أن يوقّع الطلب هو نفسه صاحب النظارات السميكة الذي طلب منه توقيعها! تسلّم الموظف الطلبيْن متمتماً بدوره «هذا الطلب يستوجب قراراً من المجلس النيابي». ردَّ عبد: «سامي الشقيفي أزال طائفته من سجلات نفوسه عام 1969»، ويكرر من جديد «الدستور يكفل هذا الحق». وبعد العناء في الدوائر الرسمية، جرى حديث مع أحد الموظفين «الكبار» الذي أشار إلى أنّه يشدّ «يده على أياديهم على هذه الخطوة الوطنية» لكنّه طلب من «الرفيقيْن» إعلام زملائهم الآخرين بأنّ يكفّوا عن تقديم الطلبات على أساس أنّ النتيجة هي نفسها، باعتبار أنّ الطلبات الكثيرة تنهك، من الناحية «المنطقية»، موظفي الدائرة القلائل الذين لا يستطيعون ملاحقة كل الأمور. ردّ أحدهم: «نحن نتّبع القانون والمنطق هو في تطبيق القانون».
في الدائرة نفسها حضر عدد من «العلمانيين». دار نقاش في المؤتمر الصحافي الذي عقده أول من أمس التجمّع الوطني الديموقراطي والذي طرح فيه الحملة الوطنية ضد الطائفية والحرب والفساد. استنكر البعض توقيت انعقاد هذا المؤتمر الذي صادف اليوم السابق لتقديم الطلبات الفردية البعيدة من أي انتماء سياسي أو حزبي. واختلفت آراء الشباب في المؤتمر، فمنهم من اعتبر أنّ هذا التجمّع يضرّ بـ«القضية» أكثر مما يخدمها، ومنهم من اعتبرها خطوة إيجابية تدعم الموضوع. ولوّح بعضهم بسحب الطلبات في حال تسييس النشاط. إلاّ أن الشبان أجمعوا على تحرّكهم الفردي. أما الطلب الذي قدّمه العلمانيون لدوائر نفوسهم، فاستند بشكل أساسي إلى البند «ب» من مقدمة الدستور اللبناني الذي يلتزم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وينص في المادتين 18 و220 منه على «حريّة التفكير والضمير والدين ولجهة حرية الانتساب»، وكذلك إلى المادة التاسعة من الدستور اللبناني التي تنصّ على «حرية الاعتقاد ويصفها بأنّها حرية مطلقة». إذاً هذه الحرية «تشمل حرية التصريح أو عدم التصريح الإداري أو غير الإداري بالاعتقاد أو الانتساب الديني». وإنّ «شرط التصريح الإداري ليس شرطاً شرعياً في الانتساب الديني أو عدمه» باعتبار أنّ الدولة اللبنانية ليست دولة دينية.