كمال شعيتو
آلاف الفلسطينيين في لبنان لا يحوزون أوراقاً ثبوتية تثبت «وجود كيانهم»، وهم لا يستطيعون حتى أن يطالبوا بحق مهدور من خلال رفع دعوى أو تقديم شكوى عن تعرضهم لأي اعتداء لأنهم ببساطة «غير موجودين»


«أنا فلسطينية، أبوي فلسطيني وجد جدي فلسطيني، رفقاتي سافروا وأنا ما بقدر لأنو ما معي وثيقة ولا هوية!». بكلمات متقطعة وعينين باكيتين أرادت إيمان، طفلة فلسطينية من مخيم عين الحلوة، التعبير عن حزنها العميق لعدم قدرتها على السفر مع رفاقها في فرقة رقص لتقديم عرض في هولندا، وذلك طبعاً لأنها لا تملك أوراقاً ثبوتية كحال 5000 لاجئ فلسطيني في لبنان.
تقول دراسة للمجلس الدنماركي للاجئين بأن عدد الفلسطينيين في لبنان، الذين فقدوا أوراقهم الثبوتية يبلغ نحو 3000 وهم ممن لم يستطيعوا تجديد جوازات سفر أو وثائق كانت في حوزتهم لأسباب سياسية أو نزاعات مسلحة. بينما تقول الحملة الأهلية من أجل الاعتراف بحقوق الفلسطينيين الفاقدين الأوراق الثبوتية ان عددهم يقدّر بأكثر من 5000 شخص. محمود بكر يروي معاناة سجنه لسنوات في لبنان لأن تهمته كانت بأنه لا يملك أوراقاً ثبوتية. بعدها يضيف: «نحن أُفقدنا الأوراق الثبوثية ولم نفقدها»، ثم يشرح انه اضطر إلى التنازل عما قد توفره له وكالة الأونروا من خدمات بهدف تسوية أوضاعه والحصول على إقامة ليعيش أطفاله بكرامة، إلا ان الأمن العام أجابه بالنفي بعد ستة أشهر وطلب منه مغادرة الأراضي اللبنانية.
لهذا السبب عقدت لجنة المتابعة «لحماية ومساعدة فاقدي الأوراق الثبوتية من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان» مؤتمراً صحافياً في نقابة الصحافة أمس، حضره كل من مدير الأونروا في لبنان ريتشارد كوك وستيفان جاكمي ممثل المفوضية العليا في الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، والمندوب الإقليمي لمنظمة العفو الدولية أحمد كرعوب، إضافة الى المدير الإقليمي لمفوضية الأمم المتحدة العليا لحقوق الإنسان فاتح عزام، ونقيب الصحافة محمد البعلبكي ومدير مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان عباس زكي، فضلاً عن ممثلين لجمعيات غير حكومية محلية وفلسطينية ودولية. وقد فاجأت العضو في برلمان الاتحاد الأوروبي لويزا مورغانتيني الحضور بمجيئها الى المؤتمر حيث عبّرت عن خجلها لعدم إيجاد حل للاجئين الفلسطينيين وإعطائهم حقوقهم بعد مرور 60 سنة على نكبتهم، مؤكدة إثارة وضع الفلسطينيين أمام السلطات اللبنانية وأمام برلمان الاتحاد الأوروبي.
بداية كانت كلمة مختصرة لنقيب الصحافة محمد البعلبكي رحّب فيها بالحضور معتبراً «ان دار نقابة الصحافة هو بيت كل العرب وخصوصاً دار فلسطين والشعب الفلسطيني المناضل والمقاوم». ثم تحدث ممثلا «جمعية روّاد» و«جمعية المساعدات الشعبية النروجية» فأكدا حماية حقوق فاقدي الأوراق الثبوتية الذين «يحيون ويموتون كأنهم سراب». ويُشار الى أنه وُجّهت مذكرة قانونية الى السلطات اللبنانية لمعالجة الوضع القانوني للاجئين الفلسطينيين من فاقدي الأوراق الثبوتية، والقيام بخطوات عملية لتحصيل تلك الحقوق.
من جهته، أكد مدير الأونروا في لبنان ريتشارد كوك أن الأونروا تهتم بجدية بموضوع فاقدي الأوراق الثبوتية، ولا سيما الأطفال، وتتابع الموضوع مع جمعيات الأمم المتحدة المعنية ومنظمة التحرير، ورئيس الوزراء اللبناني. وأوضح كوك أن الفلسطينيين في لبنان 3 مجموعات هي: اللاجئون المسجلون لدى الأونروا والمسجلون أيضاً لدى السلطات اللبنانية، واللاجئون المسجلون لدى السلطات اللبنانية لكنهم غير مسجلين لدى الأونروا، واللاجئون غير المسجلين لدى الأونروا أو السلطات اللبنانية.
بدوره، قال ستيفان جاكمي ممثل المفوضية العليا في الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين «ان المفوضية لا تُعنى بلاجئي الشرق الأدنى، ما يكوّن صورة غير واضحة عن وضع الفلسطينيين في لبنان»، غير أنه أكّد أن أول الحقوق التي يجب أن يتمتع بها كل إنسان، هي الأوراق الثبوتية وإلا فإنها «عقاب بشكل آخر». وأشار إلى عوائق عملانية تقف أمام الحلول المتبعة حالياً كانضمام فئة من الفلسطينيين تحت جناح منظمة ما وفئة ثانية تحت جناح أخرى، ولكل منهما طريقة عمل وتنظيم.
أمّا المدير الإقليمي لمفوضية الأمم المتحدة العليا لحقوق الإنسان فاتح عزام، فقد عرض وجهة نظر القانون الدولي في قضية اللاجئين بشكل عام وحق الفلسطينيين بالحصول على صفة قانونية ولو موقتة «وخصوصاً ان المادة 6 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تنص على أن لكل إنسان أينما وُجد الحق في أن يُعترف بشخصيته القانونية».
عباس زكي، مدير مكتب منظمة التحرير في لبنان، أبدى تفاجؤه بعدم اهتمام المفوضية العليا لشؤون اللاجئين بأوضاع الفلسطينيين في الشرق الأدنى، ولفت نظر ممثل المفوضية إلى «وجود حالة فلسطينية أساسية يجب التعاطي معها وهي فاقدو الأوراق الثبوتية». وأوضح زكي أن الوضع الفلسطيني هو استثنائي معقد في علاقته مع لبنان، إذ إن أي موضوع فلسطيني بحاجة إلى قرار استثنائي كالسماح بإدخال سيارات إسعاف تم التبرع بها للمخيمات (حوالى 16 سيارة). من جهة ثانية، قال زكي «ان مكتب المنظمة أصدر 1863 وثيقة تعريف منذ افتتاح المكتب (2006) حتى بداية 2007»، مؤكداً التدقيق في الجذور العائلية للمتقدمين خوفاً من متسللين الى الهوية الفلسطينية والإضرار بها، وتمنى على السلطات اللبنانية تفعيل التوصيات التي رفعها الوزراء في شأن أوضاع الفلسطينيين «التي ضاعت على طريق التجاذبات السياسية».