نقولا ناصيف
ينقل زوار ديبلوماسي أوروبي بارز اعتقاده بان إقرار مجلس الأمن مشروع المحكمة ذات الطابع الدولي في اغتيال الرئيس رفيق الحريري سيستغرق وقتاً، يلاحظ أن من الضروري احتسابه بالأسابيع وربما بالأشهر. ويعزو وجهة نظره هذه إلى خشية من إقرار المشروع في مجلس الأمن من غير أن يكون في الإمكان وضعه موضع التنفيذ بالسهولة التي يُعتقد أن إقرارها يتيحها. ويقرن هذه الخشية بهدف آخر هو، أن إقرارها واصطدامها في ما بعد بعراقيل تحول دون عملها، لأسباب تتصل بمصالح دولية، يفقد مجلس الأمن صدقيته إذا عزم على تشديد ضغوطه وإجراءاته ضد إيران.
واستناداً إلى معطيات أبرزها الديبلوماسي الأوروبي أمام زواره، ركّز على الآتي:
1 ـــــــ على وفرة الجهد الذي يبذله الرئيس جاك شيراك لإخراج مشروع المحكمة الدولية من مجلس الأمن قبل مغادرته قصر الإليزيه في 20 أيار المقبل، فإن جهداً كهذا، من دون مؤازرة أميركية جدية، يبدو قليل الفاعلية. وفي تقدير الديبلوماسي الأوروبي أنه لم يسبق لفرنسا أن نجحت، بلا حماسة أميركية تعكس تلاقياً في مصالح البلدين، في دفع مجلس الأمن إلى اتخاذ قرار يناسب خطتها.
كانت ضد الدخول العسكري الأميركي إلى العراق، فلم توفّق برد فعلها السلبي في حمل مجلس الأمن على قرار معاكس لإرادة واشنطن. كذلك الأمر عندما كانت معنية بقضية اعتبرتها جزءاً من نفوذها السياسي والديبلوماسي في الكوت دازور قبل سنوات، فأخفقت في حمل واشنطن والمجتمع الدولي على مجاراتها. وبسبب تلاق حار في المصالح الأميركية ـــ الفرنسية، كل لأسباب مختلفة، على إنهاء نفوذ سوريا في لبنان وإخراج جيشها من الأراضي اللبنانية، صدر القرار 1559، وقادهما تلاقيهما ذاته إلى إدانة اغتيال الرئيس السابق للحكومة اللبنانية وصدور القرار 1595 ثم سائر القرارات التي ربطت سيادة لبنان واستقراره بكشف قتلة الحريري وسوقهم إلى العدالة.
2 ـــــــ ليس ثمة ما يشير، إلى الآن على الأقل، إلى تأمين تسعة أصوات في مجلس الأمن مؤيدة لإقرار مشروع المحكمة الدولية دونما التعويل على إمراره في المؤسسات الدستورية اللبنانية. ويلاحظ الديبلوماسي الأوروبي البارز، في السياق نفسه، أن حق النقض «لا يُقرض ولا يؤجّر»، في إشارة إلى مقاربته موقف روسيا من مشروع المحكمة الدولية، والذي يبدو بالنسبة إليه أنه قد لا يتعدى الامتناع عن التصويت. وربما كان هذا أيضاً موقف الصين. نظراً إلى ارتباط استخدام الفيتو بالمصالح المباشرة للدولة التي تمسك بهذا السلاح.
الأمر الذي يبعث على الظن بأن عرقلة إقرار المشروع لا تقع على عاتق موسكو وحدها، بل ثمة دول لا تتمتع بالعضوية الدائمة في مجلس الأمن، لا تبدو متحمسة بعد لمجاراة هدف إقرار مشروع المحكمة الدولية في مجلس الأمن، دونما العودة إلى المؤسسات الدستورية اللبنانية.
ومع أن بضعة مواقف روسية بدت كأنها تعبّر عن تعارض داخلي في الموقف الروسي من المحكمة الدولية، فإن السفير في بيروت سيرغي بوكين أعاد التأكيد لرئيس المجلس نبيه بري، الخميس الفائت، الموقف الرسمي لحكومته، وهو تشجيعها اللبنانيين على معاودة الحوار في ما بينهم في موضوع المحكمة الدولية وسائر ملفات خلافاتهم، وإقرار دستوري لوثائق المحكمة الدولية. وأتى هذا الموقف، بمثابة ردّ غير مباشر، على انتقاد كان قد وجّهه قبل ساعات إلى المعارضة رئيس لجنة العلاقات الخارجية في المجلس الاتحادي ميخائيل مرغيلوف.
ورغم تأكيد الديبلوماسي الأوروبي البارز من تيقّن واشنطن من أن سوريا لم تغيّر موقفها السلبي من المحكمة الدولية، ومستمرة في معارضتها لها على نحو عملي وإن غير علني. باتت روسيا في المقابل تنظر إلى دمشق على أنها مفتاحها إلى الشرق الأوسط وولوج نفوذها إليه، فيما تبصر سائر دول المنطقة كمصر والأردن والسعودية والعراق مقيمة في المقلب الآخر، الذي هو المعسكر الأميركي. أضف أن سوريا منحت روسيا في الفترة الأخيرة امتيازاً عكسته المعلومات المتداولة عن تردد دائم لبواخر روسية على مرفأ بانياس، بما يعبّر عن خطط تعاون تتجاوز البعد الاقتصادي يقتضي بحسب الديبلوماسي الأوروبي البارز أخذها في الاعتبار.
3 ـــــــ خلافاً لأوهام أكثَرَ من إطلاقها في الأيام الأخيرة أفرقاء في المعارضة، وبعضهم ممن هم على صلة دورية بديبلوماسيي دول نافذة في مجلس الأمن حاولوا طرح أسئلة عليهم حولها للحصول على أجوبة مقنعة وشافية، ليست ثمة سابقة لدى مجلس الأمن في ردّ مناشدة تطلبها دولة عضو في الأمم المتحدة لمساعدتها على تحقيق العدالة والاستقرار، بما من شأنه مسّ صدقيته، في تلميح إلى توقع معارضين ردّ الأمم المتحدة عريضة النواب الـ70 الذين وجهوها إلى الأمين العام بان كي مون في 3 نيسان الجاري بغية إقرار المحكمة الدولية في مجلس الأمن كمعبر إلى تحقيق العدالة والاستقرار في لبنان. لكن ذلك لا يحجب، في رأي الديبلوماسي الأوروبي البارز، وجهة نظر مغايرة لما تقول به قوى 14 آذار، وهو أن الأمم المتحدة لا تزال ترى أن الوقت متاح ليس لإقرار مشروع المحكمة الدولية في المؤسسات الدستورية اللبنانية فحسب، وإنما أيضاً لإضفاء طابع تفاهم وطني على الإقرار. وهو ما أعاد التنبيه إليه، مرة أخرى، بان في الساعات المنصرمة.