عمر نشابة
في ذكرى الحرب الأهلية الدموية، تتجه أصابع الاتهام نحو من افتعل الحرب عبر رفع الشعارات الطائفية التي أسهمت في قطع أوصال البلد، ويكثر الحديث عن وجوب احترام حقوق الناس وكراماتهم. لكن يمكن اعتبار الوزير الراحل شارل مالك بطلاً لنقيضين: حقوق الإنسان والطائفية على حدّ سواء...
ومنذ سنين حاولتُ نشر دراسة عن تطرّف شارل مالك المسيحي في إحدى الصحف اللبنانية الرئيسية، لكن مسؤول صفحة الرأي آنذاك (الذي أكنّ له كلّ الاحترام والتقدير) قال لي: «ارجوك أن لا ترسل لي هكذا موضوع لأن صاحب الجريدة يعتبر نفسه ابن شارل مالك بالتبنّي...»، فتعلّمت يومها درساً يتناول «حقوق الإنسان» في التعبير عن الرأي على طريقة «ابن» شارل مالك...
كان مالك، المقرّب من زوجة الرئيس الأميركي الراحل فرانكلن د. روزفلت، عضواً في لجنة صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 الذي يُعَدُّ الوثيقة الأساسية لحماية كرامة الإنسان أينما وجد بغضّ النظر عن ديانته ومعتقداته. لكن مالك كان يرى أن الدين المسيحي متفوّق على الديانات الأخرى، لا بل كان يرى أن «الكنيسة، التي تتمتّع بالحقيقة الكاملة، لا تقود بما فيه الكفاية في المجال السياسي». وكان مالك، الذي عين أيضاً وزيراً للخارجية اللبنانية، يقول إن «في كلّ الأزمات خلال سجل العذاب الإنساني الطويل، كانت كنيسة المسيح الجواب الحقيقي الوحيد». ويضيف أن «ما يوقف مسيرة الانحطاط ليست الآليات الدولية، بل روح الله التي تحتلّ قلوب الرجال».
ولم يتوقف كلام شارل مالك على تفضيل دين على دين وتمييز طائفة عن أخرى، بل ذهب إلى حدّ تحريض الغرب في «المعركة الروحية في آسيا» وتحدّث عن كون الكنيسة الأرثوذوكسية هي عازل بين الشرق والغرب... رافضاً بذلك هوية الكنيسة الشرقية العربية الأصيلة ومنحازاً إلى الغرب الذي يستنجد به للتحريض على إخوته من الطوائف والأديان الأخرى.
وكان مالك يشكك بفعالية الأمم المتحدة فيسأل: «ماذا بإمكان الأمم المتحدة وإعلاناتها الغامضة فعله بدون يسوع المسيح؟ وتحدّث الوزير الراحل عن عدم فعالية نصوص الأمم المتحدة في حال عدم مباركة «سيّد التاريخ»؟
تجاهل شارل مالك المسلمين والبوذيين والهندوس والملحدين وغيرهم من الذين لا علاقة لهم بمباركة المسيح، بينما لا شكّ في أن لهم حقوقاً إنسانية... ألا يمكننا اعتبار هذا التجاهل تحريضاً على الفتنة؟