strong>حسن عليقغشّ في المباريات الرسمية لاختيار كتّاب العدل وضباط في قوى الأمن الداخلي يؤدي إلى إلغائها، تمهيداً لإعادتها. لكن الغاء المباريات لا يلغي تساؤلات عن ثقة المواطنين بمن هم مؤتمنون على أمنهم وأملاكهم وأموالهم، وعن الجهة الضامنة لعدم وصول مرتكبي الغش إلى وظائف تمس المواطنين في أمنهم وأرزاقهم

6 متبارين مرشحين لمنصب كاتب عدل، كانوا قد خضعوا، حتى أمس، للتحقيق أمام مدعي عام التمييز القاضي سعيد ميرزاحقيقات مع المتهمين بارتكاب عمليات غش في الامتحانات الخطية التي كانت تجري يوم السبت الفائت، ضمن مباراة لاختيار كتّاب العدل، ما أدى إلى إصدار وزير العدل قراراً ألغى بموجبه الامتحانات الخطية، على أن تحدد مواعيد جديدة لها في وقت لاحق.
وأتى قرار الوزير شارل رزق إثر توصية رفعتها اللجنة الفاحصة، المكلفة إجراء مباراة كتاب العدل، بوجوب إلغاء الامتحانات الخطية برمتها. اللجنة التي يرأسها رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي أنطوان خير كانت قد أفادت في محضرها بتاريخ 14/4/2007، بـ«حصول عمليات غش بواسطة أجهزة لاسلكيّة متطورة حيث ضبطت بعض هذه العمليّات بالجرم المشهود وأوقف خمسة أشخاص من المتبارين وأحيلوا على القضاء المختص، ويجري البحث عن شركاء لهم من خارج مركز الامتحانات لتوقيفهم والتحقيق معهم». وقد أوقف أمس شخص سادس في القضية نفسها. وأشار بيان صادر عن المكتب الإعلامي لوزارة العدل إلى «احتمال أن يكون عدد المتبارين الذين شاركوا في عمليات الغش هذه أوسع من الذين تم توقيفهم».
وكانت الامتحانات الخطية قد بدأت يوم الجمعة الفائت، وكان من المقرر أن تستمر لثلاثة أيام، قبل أن تكتشف عمليات الغش. يشار إلى أن المتبارين الذين وصلوا لمرحلة الامتحانات الخطية كانوا قد مروا أمام لجان لتحديد إذا ما كان المتباري مؤهلاً للوصول إلى الامتحانات الخطية أو لا.
وفي اتصال مع «الأخبار» ذكر نقيب المحامين بطرس ضومط أنه يواكب التحقيقات التي يشرف عليها مدعي عام التمييز القاضي سعيد ميرزا، وأنه انتدب أحد أعضاء مجلس النقابة، المحامي وجيه مسعد، لحضور جلسات التحقيق مع المحامين المشتبه فيهم. وذكر ضومط أنه حتى الآن هناك أكثر من شبكة مشتركة بالتزوير، وهو لا يعلم إذا كان هناك أي تنسيق بينهما. وأكد ضومط أنه، إضافة إلى الإجراءات القضائية، فإن النقابة ستتخذ أقسى الإجراءات التأديبية في حال ثبوت تورط أي محامٍ في هذه القضية.
امتحانات قوى الأمن الداخلي
حالة الغش في مباراة كتاب العدل لم تكن الوحيدة في مؤسسات الدولة أخيراً، التي تنبهت لها السلطات وفتحت تحقيقات فيها. ففي المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، أصدر مجلس القيادة قراراً ألغى بموجبه الامتحانات الخطية التي جرت خلال يومي 3 و4 شباط 2007، لما شابها من غش بين عدد من الرتباء المتبارين للحصول على ترقية إلى رتبة ملازم. فقد ذكر مصدر رفيع في قوى الأمن الداخلي أن في عدد من قاعات الجامعة اللبنانية في الحدث، حيث كانت تجرى الامتحانات، كان محتوى المسابقات التي كتبها المتبارون شبه متطابق في ما بينها، كما أنها تقريباً متطابقة مع متون المواد التي كان المتبارون يذاكرون فيها. وتحدّث أحد المتبارين أن عدداً كبيراً من زملائه، كان قد أدخل معه إلى قاعة الامتحانات نسخاً مصغرة عن الكتب التي تحوي مواضيع الامتحانات. وكان المتبارون يجلسون جنباً إلى جنب بشكل متلاصق.
وبعد هذين اليومين، انسحب عدد كبير من المتبارين الذي كان يبلغ عددهم حوالى 1700، لاختيار حوالى 100 ملازم منهم، بسبب ما رآه عدد من المنسحبين «الفوضى التي توحي بأن أسماء الناجحين معدة سلفاً». لكن، بعد أسبوع من هذه الامتحانات، أصدر مجلس القيادة مذكرة ألغى بموجبها الامتحانات التي جرت بالتاريخين المذكورين، وألف لجنة من ثلاثة من أعضاء مجلس القيادة «تكون مهمتها تقديم تقرير عن الخلل الذي ساد وأسبابه، مع تضمينه المقترحات اللازمة». وبعد ضبط عمليات الغش، شددت اللجنة المشرفة على الامتحانات من تدابير المراقبة، فاستعانت بعدد من ضباط فرع المعلومات، وزيد عدد القاعات ما سمح بتوزيع أكثر «أمناً» للمتبارين، ما قلص عدد عمليات الغش بنسبة كثيرة. وخلال الأيام التي استكملت فيها الامتحانات الخطية، ضبط أكثر من 50 عنصراً من المتبارين، وهم إما كانوا يقومون بعمليات غش أو يحاولون ذلك. ورفعت تقارير بهذه الحالات إلى شعبة العديد، كما تنص التعليمات التي تعطي المدير العام لقوى الأمن الداخلي حق إصدار القرار النهائي في شأن المرشح الذي ارتكب «ذنب الغش». وبعد عرض الحالات على المدير العام، كانت النتيجة إعطاء علامة صفر لعدد من العناصر على المادة التي ضبطوا فيها مع منحهم إمكان إتمام الامتحانات بشكل طبيعي، على أن تسجل في ملفات آخرين بيانات عقوبة. وصدرت هذه القرارات طبقاً لمستوى «الذنب» الذي ارتكبه المتباري.
وفي تعليق على عمليات الغش في مباريات كتاب العدل والضباط، ذكر المحامي نزار صاغية أن الإيجابية في هاتين الحالتين هي ضبط الحالات وإلغاء الامتحانات المشكوك فيها. لكن إقدام المتبارين على ارتكاب هذا العمل يطرح سؤالاً عن قرينة الموثوقية التي من المفترض أن يتمتع بها كتّاب العدل الذين يلجأ إليهم المواطنون لتحويل معاملاتهم إلى معاملات رسمية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الضباط الأمنيين الذين من المفترض أن يتمتعوا بالقرينة ذاتها. وأضاف صاغية أن هاتين المباراتين تطرحان تساؤلاً عن المباريات السابقة التي لم تضبط فيها عمليات الغش، وعما إذا كانت قد شابتها حالات خلل لم تضبط. وذكر صاغية أن المواطنين يطالبون منذ مدة طويلة بإعادة المباريات إلى الوظائف العامة من أجل تثبيت مبدأ الكفاءة لدى أي موظف رسمي، لكن هذه الحالات المضبوطة تفرض على القيمين على المباريات الرسمية التشدد في الرقابة والمراقبة، ما يؤمن نجاح موظفين أكفياء للمناصب المرشحين لها.