جان عزيز
بعد زيارتَي نيقولا ميشال إلى بيروت وبان كي مون إلى دمشق الأسبوع المقبل، ووسط المعلومات المتوافرة والمتقاطعة حول التطورات المرتقبة دولياً، يمكن الخلوص إلى أن بعض الأمور باتت محسومة، وأبرزها الآتي:
1 ــ لا إقرار للمحكمة ذات الطابع الدولي عبر الآليات الدستورية اللبنانية. فالفجوة بين المواقف الداخلية ذات الصلة، باتت أكبر من أن يتم ردمها، عبر أي مسعى كان. وخروج الكوامن السياسية إلى العلن بات يشبه الجهر. كلام السيد حسن نصر الله في 8 الجاري عن «الأحكام الصادرة سلفاً»، يقابله كلام أكثر صراحة في صالونات 14 آذار، عن أن جريمتين على الأقل من الجرائم التي قد تشملها صلاحية المحكمة الدولية، تتجهان إلى الاشتباه ببعض «الأشخاص» غير الملاحقين حتى الآن لبنانياً.
2 ــ تحويل قضية إنشاء المحكمة إلى مجلس الأمن بات حتمياً وشبه أكيد. أما التوقيت فمتروك لإصرار بان كي مون على استنفاد اتصالاته السياسية ومشاوراته القانونية.
3 ــ تأسيس المحكمة عبر قرار من مجلس الأمن، لا يزال موضع بحث لجهة طبيعته، بين احتمالات ثلاثة، أولها صدور القرار المذكور تحت أحكام الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، أي خلوّه من الصفة الإلزامية. ثانيها صدوره تحت أحكام الفصل السابع، مع تحديد المادة 41 من الميثاق المذكور، كمرجعية قانونية له، أي افتقاره إلى الإجازة باستخدام القوة لتطبيقه. وثالثها صدوره تحت أحكام الفصل السابع أيضاً، لكن وفق مرجعية المادة 42، أي الإجازة للمنظمة الدولية باستخدام القوة للتطبيق.
4 ــ ضمان كل من واشنطن وباريس للأصوات التسعة الأعضاء في مجلس الأمن، واللازمة للقرار، وفق الصيغة التي أبقتها الولايات المتحدة وفرنسا طي تصورهما الخاص. وهذا ما تردّد أن السفير جيفري فيلتمان، أبلغه صراحة إلى ثلاثة من أقطاب 14 آذار، بعيد عودته مساء الأحد الماضي إلى بيروت على متن طائرة آتية من لندن.
إلاّ أن هذه النقاط شبه المحسومة، تطرح أكثر من تساؤل وعلامة استفهام، حول الاستحقاق المرتقب لجهة إنشاء «المحكمة الدولية» عندئذ. ومن هذه التساؤلات ما يلي:
1 ــ من هي الجهة التي ستدخل التعديلات الحتمية على مسوّدة «النظام التأسيسي» للمحكمة ذات الطابع الدولي، سابقاً، والتي كانت نشرت في 11 تشرين الثاني 2006؟ ذلك أن الخبراء القانونيين، يجزمون بأن ثمة تعديلات لا بد من إدخالها على المشروع السابق. وهي تعديلات موزّعة بين الشكل والمضمون. شكلاً ثمة إعادة نظر أكيدة في مسائل تعيين القضاة ومساعد المدعي العام والتمويل والإدارة، وغيرها من النقاط التي كان قد تناولها مشروع «الاتفاق» حول الإنشاء بين الحكومة اللبنانية والأمم المتحدة. أما مضموناً، فالمرجح أن تكون إعادة نظر أخرى في بعض الآليات الإجرائية والقواعد الجنائية، بما يضمن تجنّب القرار المرتقب أي فيتو روسي أو صيني، والبقاء في حدود امتناع موسكو وبكين عن التصويت لا غير.
2 ــ أي «بنية جنائية» ستعتمدها «المحكمة الدولية»، بعد السقوط المفترض لمرجعية القوانين اللبنانية التي وردت في المشروع السابق؟ وهو ما جعل من المسوّدة الأولى مختصراً سريعاً لمحكمة شبه عرفية؟ بدليل أن هذا المشروع، المستند إلى تطبيق قانون أصول المحاكمات الجزائية اللبناني، اكتفى بثلاثين مادة فقط، فيما نظام «محكمة الجزاء الدولية الخاصة بيوغوسلافيا» على سبيل المقارنة، مكوّن من 127 مادة، أضيفت إليها نصوص وقرارات دولية أخرى على مدى أعوام لاحقة.
3 ــ من هي الجهات الدولية التي ستتولى تمويل المحكمة، والمقدّر قياساً إلى السوابق، بمئات ملايين الدولارات؟ فالمقارنة السابقة نفسها، تشير إلى أن موازنة محكمة يوغوسلافيا لسنة 2003 وحدها، كانت 223 مليون دولار أميركي، تغطي تشغيل 1100 موظف تقريباً يعملون فيها.
4 ــ ما هو المدى الزمني المقدّر لإنشاء المحكمة، ومن ثم انطلاقتها فعلياً، وأخيراً إنجازها العمل المطلوب منها؟ ففي هذا المجال، سجلت إشارات موعدية مطاطة جداً. نيقولا ميشال تحدث عن سنة. وليد جنبلاط قال إنها متأخرة لكنها آتية حتماً. فيما الوقائع الفعلية تؤكد أن النص القانوني الأول الذي يشكل المستند الجدي لانطلاق المحكمة، لن يكون متوافراً إلاّ بعد 15 حزيران 2008، أي مع صدور التقرير النهائي المرتقب لتحقيق سيرج براميرتس. هذا إذا لم يطرأ أي تأجيل جديد. بعده يبدأ «قاضي ما قبل المحاكمة» عمله استناداً إلى هذا «القرار الظني»، لينتهي إلى الادّعاء ووصول الملف نهائياً إلى هيئة المحكمة.
وللمقارنة دوماً، يتضح من المثل اليوغوسلافي أن قرار مجلس الأمن المنشئ للمحكمة، والصادر تحت الرقم 808 وتحت الفصل السابع صراحة، أعلن في 22 شباط 1993. ليصدر نظامها الأساسي بعد أكثر من 5 سنوات في 13 أيار 1998، عقب حرب كوسوفو. وحتى اللحظة، بعد مرور أكثر من 14 عاماً على الإنشاء، لم تقفل الملفات المحالة أمامها.
صحيح أن «الحالة اللبنانية» أقل تعقيداً، وبالتالي أكثر سهولة في المسار والمصير. لكن يبقى السؤال: كيف يملأ «الزمن السياسي اللبناني» واستحقاقاته الدستورية والواقعية في هذا الوقت؟ ومن سيتولى دور القوة الدولية اليوغوسلافية، «فوربروند» في لبنان؟ هل تكون قوات «يونيفيل» نفسها؟ وتحت أي نظام وبأي وسائل وأدوات تنفيذ؟ وهل تلوح عندئذ مخاطر «انتفاضة حجارة» ما حيال حلّتها الجديدة ودورها المتجدّد؟
أسئلة تختصر عشرات مماثلة ومتفرعة ومتولّدة. لكنها ضرورية، لأن المحكمة آتية، ولأن المعنيين بها، أي المحكمة والأسئلة، هم المهلّلون لمجلس الأمن والرافضون لدوره على قدم المساواة... اللبنانية.