نادر فوز
«لم يعد هناك شباب في لبنان، أرى آباءهم ولا أجدهم هم، كما لو أنّهم يطبقون المثل: أعيش في جلباب أبي». بهذه العبارة افتتح، أمس، الكاتب نصري الصايغ كلمته خلال ندوة «الشباب اللبناني وذاكرة الحرب»، ضمن سلسلة الندوات التي تنظمها الجامعة الأنطونية بعنوان «متى يصبح لبنان وطناً للشباب». وقد استضافت الجامعة لمناسبة الذكرى الثانية والثلاثين لاندلاع الحرب الأهلية اللبنانية، الصحافييْن نصري الصايغ وجان عزيز، في حلقة حوارية مع الطلاب أدارها الأب مارون أبي نادر.
بدايةً، قال الأب لويس الرهبان إنّ «الشباب في لبنان يعيشون في الضياع، ويفكّرون بأحلامهم فيذهبون إلى الساحات المليونية ويتخبطّون في الخيبات المتتالية».
وذكر الرهبان أمثلة تاريخية، منها قتل قايين لأخيه هابيل، وما عاناه يوسف بن يعقوب من إخوته، مشيراً إلى «أنّ تاريخنا يشهد اليوم صحوة تمثّل لبنان الرسالة»، متسائلاً عما إذا كانت حرب لبنان «علّمتنا أن نعطي ذاكرتنا ذرّة من الجرأة؟».
من جهته، رأى الصايغ، أنّ «البشرية تعيش عادةً سلاماً استثنائياً، والحرب تبقى هي القاعدة»، باعتبار «أنّ تاريخنا يشير إلى أنّه مقابل كل ثلاث عشرة سنة حرب هناك سنة واحدة من السلام». ومن علم الفلسفة، أشار الصايغ إلى أنّ الإنسان يبحث عن حقيقة لا توجد، لكنه يعود ويبحث عنها، «تماماً مثل البحث عن السلام». وقال إنّه لا يرى في الشباب إلا آباءهم، «مثلما كان آباؤهم قد سبقوهم ولبسوا ثياب آبائهم». وتوقف الصايغ عند بعض الشهادات الحيّة التي عايشها مع أولاده، مشيراً إلى أنه هرب خلال حرب لبنان «كأحد الجبناء الشجعان»، وكانت الخلاصة من هذه الشهادات «أن يكون الشباب أحراراً في اختياراتهم»، معترضاً على مثل «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً»، على خلفية أنّ الشباب يولدون مقيّدين بطوائفهم وماضي أهلهم وسائر العادات الأخرى. ودعا الصايغ الإنسان إلى التحرر، متسائلاً عما إذا أتيح للبناني أنّ «يتحرر منذ أحداث عام 1860».
ولفت الصايغ إلى أنه من خلال لقاء سابق مع مقاتلين في الحرب اللبنانية، وجد أنّهم كلهم مستعدون للقتال من جديد، «فيعيشون في جلباب آبائهم، وفي كل جلباب سكاكين ملطّخة بالدماء». وعن تصالح لبنان مع ماضيه، تحدث الصايغ عن تجارب شعوب عديدة عانت من حروب أهلية، لم تستطع مصالحة ماضيها إلا بعدما خرجت من أنظمتها، مؤكداً أنّ هذا الأمر لم يحصل في لبنان لأنّ «لكل جماعة ذاكرة خاصة تختلف عن ذاكرة الجماعات الأخرى» والقوى السياسية والسلطات تعاطت بمفهوم «عفا الله عمّا مضى». وتحدث الصايغ عن سبب غياب كتاب التاريخ الموحّد، معتبراً أنّ «غياب الوصف عند الأطراف» يمنع اللبنانيين من تجاوز الماضي. سرد الصايغ خمس خطوات هي: إلزام الهيئات السياسية بوصف ما حدث، الاعتراف بما حدث، الاعتذار، التعويض المادي والمعنوي، إعلان الندم والتسامح.
أما الصحافي جان عزيز، فاستند إلى ما قاله كارل ماركس مشيراً إلى أنّ التاريخ الإنساني «يكون في المرّة الأولى مأساة، وفي المرّة الثانية ملهاة». وأشار عزيز إلى أنّ الحدث في لبنان ليس واقعةً أو حقيقةً، «بل وجهة نظر أو موقف». ثم تلا مقاليْن نشرا عن الحرب بتاريخ 14 نيسان 1975 في صحيفتين مختلفتين، أظهر من خلالهما تباعد الأخبار عن بعضها. ولفت عزيز إلى أنّه «لا مواقف سياسية ثابتة في الحرب»، وهو الأمر الوحيد الذي تعلّمه من حمل السلاح خلال الحرب اللبنانية.
وأكد عزيز أنّ الحرب اللبنانية وذاكرتها لم «تعلّمنا شيئاً من حقوق البديهيات»، ومنها الحق بالاحترام والحياة، التي تولد مع كل إنسان والتي تسبق الدساتير والقوانين. وعن تطهير ذاكرة الحرب، تحدث عزيز عن تشويه الذاكرة، أو الأسطورة المؤسسة، التي لا تنتج إلاّ الدكتاتوريات. ولفت عزيز إلى أنّ اللبنانيين لم يقدموا بعد على تطهير ذاكرتهم، إذ إنّ «كل الحقيقة تقابلها كل المصالحة»، وهو ما يؤدي إلى هذه الهدنة الهشّة. وختم اللقاء بنقاش بين المحاضرين والطلاب.