صور - بهية العينين
تفاصيل كثيرة ومؤلمة وقاسية تطبع حياة فاقدي الهوية من الفلسطينيين المقيمين في لبنان، وعلى رغم أن همّ اللجوء واحد إلا أن هذه الفئة أخذت بعداً آخر فهي ليس لها شخصية قانونية وليست مسجلة لدى الأونروا أو في سجلات وزارة الداخلية اللبنانية

لا يتوقف واقع حال الفلسطيني عند حصاره ومحاولة انتزاع هويته داخل الوطن المحتل، بل يتعدى ذلك وجود الفلسطينيين في الشتات منذ عام 1948 وصولاً إلى عام 1967 مروراً بأحداث الصراع الفلسطيني الأردني عام 1970.
يعيش في لبنان نحو 450 ألف فلسطيني في 12 مخيماً، بينهم 65 ألف فلسطيني تقريباً في خمسة مخيمات مجاورة لمدينة صور، ما زالوا في قلق مستمر على هويتهم، أمام المحاولات الجارية لشطب القرار الدولي الرقم 194 الذي يضمن لهم حق العودة إلى وطنهم وهويتهم.
والجديد القديم في مشكلة بطاقة الهوية الفلسطينية في لبنان، ترويها مؤسسة «شاهد» الفلسطينية التي أصدرت تقريراً بعنوان «متى تعالج مشكلة فاقدي الهوية من الفلسطينيين في لبنان؟». ويشير التقرير إلى أن فاقدي الهوية من الفلسطينيين يصنفون ضمن الفئة الثالثة من الفلسطينيين المقيمين في لبنان ويقدر عددهم بين 3000 ــــ 5000 فرد. ظروف لجوئهم إلى لبنان مختلفة كلياً عن غيرهم من مختلف الفئات، ومرتبطة أساساً بأحداث أيلول الأسود عام 1970 في الأردن، ومع مرور سنوات طويلة، على لجوء هذه الفئة إلى لبنان، إلا أن ظروفها الإنسانية برزت إلى العيان بعد انتهاء الحرب الأهلية، واستتباب الأمن والاستقرار.
هنالك أمثلة صارخة تدل على مدى الظلم الواقع على هذه الفئة وتظهر الفجوة الواسعة جداًَ بين ما هو منصوص عليه في القوانين الإنسانية والواقع المعيش. وبات السؤال واحداً: هل يعقل ان تعامل فئة من الناس بهذه الطريقة ونحن قد دخلنا القرن الواحد والعشرين؟
تكاد تتشابه قصص الفلسطينيين من فئة فاقدي الهوية: لا شخصية قانونية، لا زواج، لا سفر أو تنقل، لا استشفاء، لا تعليم، لا فرص عمل؛ ولا حياة كريمة، أو «نصف كريمة».
حسين أحمد غلمي، أبو عماد، الفلسطيني الذي قادته الظروف رغماَ عنه إلى لبنان؛ وهو من مواليد عام 1952، من قرية عاروره قضاء رام الله؛ التحق بصفوف الثورة الفلسطينية مبكراً شأنه شأن الشباب الفلسطيني الذي وجد في الثورة آنذاك عنواناً للعودة الكريمة. تزوج عام 1981 فتاة فلسطينية مسجلة لدى الانروا. لم تكن آنذاك مشكلة قانونية، ولم يشعره أحد بأنه سيواجه مشاكل قانونية لاحقاً. أنجب منها مناصفة، ستة ذكور وإناث.
ويرى أن الزواج شرعي مئة في المئة، فقد دوّن في المحكمة الشرعية السنية، بيد أنه لم يدون في سجلات دائرة شؤون اللاجئين في بيروت؛ كما لم يدون في سجلات الانروا، اي هو زواج شرعي لكنه غير قانوني، وكل ما نتج من هذا الزواج هو غير قانوني!
بعد أن وضعت الحرب الأهلية أوزارها، أدرك ابو عماد أن رحلة العذاب قد بدأت للتو. ومع مطلع عام 2000 اشتدت الظروف قسوة. ولا أحد من اولاده يحمل ورقة تثبت حقيقته؛ فقد اعتُقل ابنه البكر غير مرة لأنه لا يحمل ورقة تثبت شخصيته. وليس هناك امكان للعيش بشكل طبيعي، حتى ضمن إخوانه اللاجئين الذين يعانون هم معاناته.
مع اشتداد ساعد الاولاد وبلوغ بناته سن الزواج، أدرك ابو عماد أن المعاناة، بدأت تأخذ منحى آخر؛ تقدم لبناته «عرسان» وحين علموا بوضعهن القانوني، تراجعوا؛ ما خلّف أثراً سلبياً في نفوسهن. أما ابنته منار فقد تقدم لخطبتها شاب كان يصر على ذلك برغم علمه بالآثار المترتبة عن زواجه بها. وهو الآن يطرق كل الأبواب لجعل زواجه منها قانونياً وشرعياً، لأن ما قربته القلوب لا تبعده القوانين. وما يربطه بها هو الحب.
وفي اطار المحاولات الخجولة لحل هذه المشكلة المستعصية، ومع افتتاح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في بيروت، العام الماضي، اصدرت الأخيرة أوراقاً تساهم في معالجة المشاكل جزئيا، وهي عبارة عن بطاقة هوية تساهم في التنقل وامور أخرى؛ كما نشطت جمعيات اخرى مثل المركز الدانمركي للاجئين DRC وجمعية «رواد» وغيرها في الدفاع عن هذه الفئة. وشهد العام المنصرم حركة نشطة باتجاه معالجة مشكلة فاقدي الهوية. فعقدت المؤتمرات وورش العمل وانطلقت الحملات. لكن يبقى قرار الحل لهذه الفئة مرتبط بثلاث جهات أساسية: الحكومة الأردنية، الحكومة اللبنانية، ووكالة الغوث الدولية لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.