أنطوان سعد
غادرت صباح أمس مديرة مكتب لبنان في وزارة الخارجية الأميركية آن دونيك منهية زيارة استطلاعية للعاصمة اللبنانية استمرت ثلاثة أيام أمضتها في التعرف إلى الواقع الاجتماعي والسياسي والثقافي في لبنان. وقد زارت خلال الأيام الثلاثة مختلف أقسام السفارة الأميركية للاطلاع على سير العمل فيها ورافقت الدبلوماسيين الأميركيين في مهماتهم خارجها. فاصطحبها السفير جيفري فيلتمان إلى السرايا حيث اجتمعا برئيس الحكومة فؤاد السنيورة قبل أن يدعو بعض أصدقاء السفارة الأميركية من السياسيين مساء الأربعاء إلى حفل استقبال لكي يتسنى لها التعرف إليهم عن كثب. فيما رافقت دبلوماسيين آخرين إلى الجامعة الأميركية وجامعة هايكازيان والإنترناشونال كولدج حيث استمعت إلى محاضرات، من بينها محاضرة عن المجازر بحق الأرمن. وجالت في وسط بيروت ودخلت إلى بعض المتاجر ومرت بضريح الرئيس الراحل رفيق الحريري، وأثناء مرورها في المنطقة وزيارتها السرايا الحكومية، ألقت نظرة على مكان الاعتصام الذي تنفذه المعارضة في وسط بيروت.
وقد تولت آن دونيك مسؤولية مكتب لبنان مطلع آب الماضي في خضم الحرب الإسرائيلية الأخيرة. وهي شابة في نهاية العقد الثالث تمثّل صلة الوصل بين السفارة الأميركية في بيروت ووزارة الخارجية في واشنطن. تتبع هرمياً لمكتب مصر والمشرق التابع بدوره لمكتب مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأوسط دايفيد والش. وتعدّ زيارتها للبنان، بحسب مصادر مسؤولة في السفارة في بيروت، «عادية وميدانية، ولم يجر الإعلان عنها لأنها ليست من الموظفين الكبار ولا من صانعي السياسة في وزارة الخارجية الأميركية. وقد سبق لمعظم من سبقوها في وظيفتها أن زاروا لبنان للتعرف إلى واقعه كي يتمكنوا من فهمه من أجل القيام بعملهم في شكل أفضل».
وتفيد المصادر عينها أن آن دونيك غادرت بانطباع جيد عن بيروت، وأن زيارتها الميدانية لم تغير الكثير في الصورة التي كانت قد كونتها عن لبنان من خلال متابعتها الدقيقة للشأن اللبناني من العاصمة الأميركية. غير أن جولتها في وسط العاصمة اللبنانية «جعلتها تحب بيروت»، وتقدّر الحياة فيها وإن كانت أسعار الألبسة النسائية في بعض المتاجر الفخمة قد صدمتها فلم تتمكن من التسوق.
إزاء الصورة العادية التي ترسمها المصادر المسؤولة في السفارة الأميركية عن زيارة آن دونيك، أعربت بعض الشخصيات السياسية التي حضرت حفل الاستقبال الذي أقامه السفير جيفري فيلتمان عن انطباع جيّد كوّنه عنها وعن طريقتها في عرض الأمور التي تعكس فهماً عميقاً للسياسة اللبنانية. وبحسب هذه الشخصيات، طغى حديث مديرة مكتب لبنان في الخارجية الأميركية عن خطف الشابين اللبنانيين على ما عداه من مواضيع مطروحة على بساط البحث في لبنان. وقد أبدت تخوفها من أن «يستتبع عملية الخطف انفلات أمني يعيد البلاد إلى سنوات الحرب الأهلية البشعة».
ولاحظت هذه الشخصيات في الوقت نفسه أن الدبلوماسية الأميركية تحاول على رغم كل شيء إشاعة أجواء تفاؤلية في المستقبل القريب بالنظر إلى الانعكاسات الإيجابية على الوضع اللبناني التي قد تنتج من المؤتمر المنوي عقده في شرم الشيخ حول العراق. وبرأيها أن «نجاحه سيريح المنطقة برمتها لا محالة». وأشارت أيضاً إلى زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي لبيروت ومن ثم إلى دمشق واللقاءات التي عقدتها مع كبار المسؤولين في البلدين، لافتة إلى أنه يمكن توقع بعض التخفيف من حدة التشنج الذي يطبع العلاقات الأميركية ـــ السورية، وإلى أن من شأن ذلك أن «ينسحب إيجابياً على الوضع في لبنان الذي، على رغم كل علامات التأزم الظاهرة، يتجه إلى بداية حلحلة قد تكون عن طريق استئناف شكل من أشكال الحوار التي أدارها رئيس مجلس النواب نبيه بري. ولا شيء يمنع من أن تسفر هذه المشاورات، إذا بدأت، عن رئيس توافقي للجمهورية اللبنانية يتولى إدارة البلاد من دون تحدّ وفي شكل يريح الأزمة القائمة».
بين الصورتين المعاكستين، الأميركية واللبنانية، عن زيارة مديرة مكتب لبنان في وزارة الخارجية الأميركية آن دونيك، واللتين قد تكونان متكاملتين في نهاية الأمر، لا بد من الإشارة إلى أن المواطنين اللبنانيين التواقين إلى نهاية الكابوس الذي يعيشونه، مهتمون بأمر الهدنة التي دعت إليها الهيئات الاقتصادية أكثر من أي أمر آخر. وهم يأملون أن تندرج الجهود الداخلية والخارجية في هذه الخانة أولاً.