strong>فاتن الحاج
يقود «غياب» المواطنين عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية الدكتور أنطوان مسرّة، منسق البرامج في المؤسسة اللبنانية للسلم الأهلي الدائم، إلى وضع السجالات في القضايا الحقوقية في خانة «الزجل» في السياسة اللبنانية الذي يفتقر إلى المتعة الشعرية. «فمعرفة القاعدة الحقوقية في كل قضية هي، بحسب مسرّة، صمام الأمان لعدم الاصطفاف وراء هذا أو ذاك من السياسيين».
«الحل بإيدك»، يقول مسرة، فالمعالجات تأتي من القاعدة أي الناس لا من القمة. من هنا يعتبر «أنّ الكلام على الفساد لا يكون جدياً ما لم يُركّز على شؤون الناس الصغيرة (حفرة في بلدة، تغيّب أستاذ عن إحدى المدارس... إلخ)، ومن شأن ذلك أن يزعزع شبكة الفساد العامة».
وكانت جامعة هايكازيان قد استضافت ندوة للمؤسسة عن «مرصد الحقوق الاجتماعية والاقتصادية في لبنان»، فتحدثت
عميدة كلية الآداب والعلوم الدكتورة أردا أكمكجي عبّرت باسم الجامعة عن «سعينا إلى تمكين طلابنا من أن يكونوا مواطنين، عبر إدخال مادة «حقوق الإنسان» في مناهج التدريس».
أما منسق الندوة المحامي ربيع قيس فيقول: «من منّا لا يخالف القانون ويضرب به عرض الحائط وبشكل يومي، وماذا فعلنا نحن للوطن وماذا قدمنا له، وكيف ساهمنا في إنمائه؟».
ورأس مدير الشؤون الطالبية في الجامعة أنترانيك داكسيان جلسة عن دور الجامعات في التغيير. يتوقف داكسيان عند بعض التجارب في «هايكازيان» في مجال نشر حقوق الطلاب كإصدار كتيّب سنوي يعرّفهم بحقوقهم.
وتناول مسرّة في هذه الجلسة جماعات الشباب المعرضة للتعبئة النزاعية الخطيرة في الجامعات التي تغدو مكاناً لاجترار خطابات الشارع، بدلاً من أن تكون مراكز لإنتاج فكر متميّز. إلاّ أنّ مسرة يبدو متفائلاً حيال صون السلم الأهلي، فيسجل إخفاق عشرين محاولة لإشعال فتنة مصطنعة في الفترة الأخيرة.
وخلص إلى أنّ المطلوب التربية على الالتزام لا الاستزلام وتمكين الناس من التغيير، ومنع استخدامهم للاصطفاف فقط كما يحصل في معظم السجالات المتلفزة.
من جهته، عرض الأستاذ في كلية الحقوق ــ الفرع الثاني في الجامعة اللبنانية الدكتور طوني عطا الله حصيلة أعمال الرصد اليومي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في لبنان. وسجل اختراق التدخلات السياسية بالمعنى النزاعي الهيئات الطالبية والمهنية والنقابات «بحيث لا وجود لحدود واضحة بين وظائف هذه الهيئات والعمل الحزبي». وتساءل في هذا الصدد: «أليس لدى الطلاب اهتمامات أكاديمية ومهنية وحقوق وواجبات ومسؤوليات عوضاً عن الانقسامات الحزبية؟».
من هنا يدعو الأستاذ الجامعي المحامي الدكتور بول مرقص الشباب إلى تأليف حركة سياسية مستقلة لا تستعمل المفردات النزاعية التي يرددها الجيل السابق على طريقة «الأسطوانة المعطلة». ولا ضير، كما يقول، «من أن يطلعوا على تجارب أجنبية متقدمة لاقتباس خطط جديدة في التنمية لبلدان خرجت بنجاح من حروب داخلية».
وفي النقاشات، يرفض أحد الطلاب الفصل الذي أجراه مسرة بين القضايا الشخصية والقضايا السياسية القومية العليا، فيما تركزت المداخلات على النظام الطائفي وتأثير السلطة السياسية على الطلاب التي تقودهم إلى التبعية.
ثم استضافت الجلسة الثانية ومحورها دور الإعلام في التعريف بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، الإعلامية نجاة شرف الدين (تلفزيون المستقبل). ترى نجاة أنّ الإعلام يساهم في تعزيز الشرخ في المجتمع اللبناني والأولوية بالنسبة إليه الوضع السياسي والهاجس الأمني، فيما تستغني المؤسسات عن خوض الحديث في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين.
أما أسعد بشارة (جريدة الديار) فيقول: «من يعط المال يتحكم بالصوت والصورة والكلمة ويوجه الوسيلة الإعلامية حيث يريد أن يصل». ويتساءل: «كيف يمكن الإعلام أن يقوم بدوره في التوعية على الحقوق وهو أسير ثقافة الاصطفاف السياسي والمذهبي».
يدعو أسعد إلى شرعة جديدة للإعلام اللبناني تقضي بتغليب إعلام المواطن على إعلام الحزب والزعيم والطائفة.
من جهتها، تنتقد رانيا بارود (تلفزيون الجديد) تحميل الإعلام عواقب كل الأمور. وتشير إلى أنّ الأشخاص يجب أن يكونوا مصفاة للمعلومات، فيتحملون مسؤولية البحث عن حقوقهم وعدم الاستسلام للمجتمع، فلا يتحولون بالتالي إلى متلقّين سلبيين.
وشكلت الثقافة الحقوقية في المؤسسات التعليمية والنقابية عنوان الجلسة الأخيرة حيث عرض المستشار القانوني لنقابة المعلمين المحامي زياد بارود تجربته في النقابة في تبسيط المعرفة الحقوقية، مؤكداً أنّ الإعلام هو الشريك الأساسي في التثقيف الحقوقي المبسط.
أما مديرة معهد حقوق الإنسان في نقابة المحامين المحامية إليزابيت السيوفي فتطرقت إلى أهمية استعمال الحق بالثقافة المكرس في القانون، والدور الذي يجب أن يبذله الطلاب للتعرف بحقوقهم.