strong>نادر فوز
تدخل جويس وتطلق سريعاً طلبها: «بدّي آكل لبنة»؛ «لحظة حياتي، دقيقة بس حتى إنهي الحساب مع الزلمي»، تجيب «تانت تيريز». ليس هذا الحديث بين أم وابنتها، ولا بين فردين من عائلة واحدة، بل بين طالبة في الفرع الثاني لمعهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية ــــــ الرابية، وتيريز المسؤولة عن الكافيتيريا.
إتيان، أحد طلاب المعهد، ساعد تيريز عبر آلته الحاسبة لإنجاز «الحسابات» مع موزّع البضائع. دخلت صاحبة الكافيتيريا إلى داخل القسم المخصص لإعداد الطعام، وعادت بعد دقائق قليلة بصحن «لبنة» مع الخبز ووضعته أمام جويس. جلست بقربها وراء طاولتها حيث الممر إلى «المطبخ».
معظم الطلاب يعتقدون أنّ علاقة حميمة تجمعهم بتيريز، فيطلبون نصائحها ويشكون لها همومهم. أما هي فترى أنّ مسؤوليّتها لا تنحصر في تأمين الأكل والشرب للطلاب، بل عليها مساعدتهم على كل الأصعدة. تقول: «الأولاد بيجنّنوا، أنفّذ ما يطلبونه مني وينفّذون ما أطلبه منهم». كما قررت عدم التدخل في الشأن السياسي للحفاظ على «مصلحتها»، فانجرارها نحو طرف قد يؤدي إلى «مقاطعة الطرف الآخر»، ما يؤثر بشكل سلبي على عمل الكافيتيريا.
يطل أحد الطلاب على تيريز ليطلب «كرواسان» وكاسة شاي؛ يسأل: «ليش الكافيتيريا فاضية؟» فتجيبه إحدى الطالبات: «احضر إلى الجامعة لتعرف ماذا يجري فيها»، قبل أن تعلن له خبر إقفالها. لم تشأ تيريز أن تقاطع الحديث، فطلبت من مساعدتها «السمراء» تحضير «طلبيّة» الشاب. يُذكر أنّ «السمراء» قدمت إلى لبنان لخدمة تيريز وعائلاتها في المنزل، لا في مكان آخر.
منذ حوالى أسبوعين، قدّمت تيريز وزوجها عريضة لإدارة المعهد ينذرانها فيها بأنّهما سيتركان الكافيتيريا لأنها «مش عم توفّي معهم». أسباب ذلك متعدّدة: مليونان ونصف مليون ليرة لبنانية سنوياً فواتير الكهرباء والمياه ورسوم الـTVA، قلة عدد الطلاب في المعهد، التقيّد بأسعار البضائع...
تشرح تيريز، بمساعدة بعض الطلاب، عن الأسعار: تتراوح أسعار السندويشات بين 1500 ليرة و2500 ليرة، أما المشروبات الساخنة فجميعها بـ500 ليرة. أمّا البضائع الأخرى فلا تختلف أسعارها في الكافيتيريا عن أسعار «السوبرماركات». تقول تيريز إنّ المدخول اليومي للكافيتيريا تدنّى كثيراً، فقد كانت تؤمّن يومياً حوالى مئة دولار، أما اليوم فلا يتخطّى مدخولها 60 دولاراً «من ضمنها التكاليف».
حوّلت الإدارة هذه «العريضة» إلى الإدارة المركزية للجامعة اللبنانية التي ستعلن قريباً عن المناقصة. تقول تيريز أنه وردتها بعض المعلومات عن خفض سعر الاستثمار السنوي لكافيتيريا «الاجتماعية ــــــ2» إلى مليوني ليرة، «لا يمكن أن يستثمر أحد هذا المكان بهذه الشروط». كما طرح عدد من الطلاب إمكان أن يستثمر اثنان من زملائهم الكافيتيريا، إلا أنّ هذه المعلومات لم تؤكّد بعد.
حاول بعض الطلاب قبل أيام إقامة اعتصام داخل المعهد لدفع الإدارة على مساعدة تيريز، لكن بناءً على طلبها أوقف النشاط، فـ«لا نريد أن نستمر حتى لو ببلاش».
بعد فقدان هذه الوظيفة، ستعتمد عائلة تيريز التي تضمّ ثلاثة أبناء على عمل الزوج في أحد المصارف. اثنان من أبنائها يدرسان في جامعة سيدة اللويزة. أما الثالث فما زال يتعلّم في مدرسة القلبين الأقدسين. المسألة الأهم، بالنسبة إليها، هي أن يتعلم أولادها.
وعن مسألة المناقصة، يقول الدكتور جوزيف شلّيطا، مدير معهد العلوم الاجتماعية، إنّه لا علاقة للإدارة بهذا الشأن، إذ إنّ كل ما له علاقة بالأمور المالية يبتّ في الإدارة المركزية، «حتى تسديد رسوم التسجيل لا يتم في الجامعة». ويشرح شلّيطا كيف تتم عملية المناقصة وعرضها ثلاث مرات خلال ثلاثة أشهر، ولحين القيام بهذه الإجراءات سيبقى المعهد بلا مطعم.
انتهت «الصبحية» مع تيريز؛ إلا أنّ «سجالاً» وقع بعد رفضها تقاضي «ثمن القهوة» التي شربناها خلال الحديث عن تدنّي مدخول الكافيتيريا.