طارق ترشيشي
تعكس حركة التطورات والاتصالات الجارية محلياً وعربياً ومع إيران أن المملكة العربية السعودية مستعجلة حصول اتفاق لبناني، ينهي الأزمة بين السلطة والمعارضة قبل انعقاد القمة العربية على أراضيها خلال هذا الشهر العامر بالمحطات والاستحقاقات والمناسبات السياسية «الآذارية» من «8 آذار» اللبنانية إلى ذكرى «8 آذار» السورية، ومؤتمر بغداد الدولي في 10 آذار، مروراً باستحقاق 20 آذار موعد بدء العقد التشريعي العادي لمجلس النواب، وصولاً إلى 28 آذار موعد القمة العربية في الرياض.
وتدل على هذا الاستعجال السعودي حركة السفير عبد العزيز الخوجة الذي ما إن عاد مساء أول من أمس، وقابل الرؤساء الثلاثة ونقل إليهم نتائج القمة السعودية ـــ الإيرانية الأخيرة حتى سافر مجدداً الى الرياض صباح أمس، ناقلاً إليها نتائج هذه اللقاءات لتبني على الشيء مقتضاه وتحدد إمكان تلبية الدعوات اللبنانية (التي قال الخوجة إنها تلقّتها) إلى رعاية اتفاق لبناني ـــ لبناني على غرار اتفاق مكة الفلسطيني ـــ الفلسطيني.
ويعتقد بعض السياسيين أن تطورات إيجابية يفترض أن تحصل على مستوى العلاقة السورية ـــ السعودية تسبق أي خطوة سعودية عملية لرعاية اتفاق ـــ حل لبناني. ويتوقع أن يعكس خطاب الرئيس السوري بشار الأسد في ذكرى الثامن من آذار غداً بعضاً من الإيجابيات التي سيبني عليها أصحاب المساعي الحميدة من شخصيات سياسية وجهات ودول لتحقيق التطبيع المطلوب في العلاقة السورية ـــ السعودية، لما لذلك من انعكاسات إيجابية سريعة على معالجة الأزمة اللبنانية. علماً بأن هناك اعتقاداً بدأ يتكوّن لدى كثير من المهتمين، ومفاده أن القمة العربية قد تؤجّل إذا لم يتوافر حل لبناني وظلت العلاقة السعودية ـــ السورية مأزومة.
وترى بعض الأوساط السياسية أنه لا ينبغي الاستخفاف بالتحرك السعودي لأن الرياض حددت لنفسها موعداً لتحقيق «الإنجاز اللبناني المطلوب» قبل حلول موعد القمة العربية، بحيث إنها قد تدعو كل أركان الأكثرية والمعارضة إلى لقاء برعايتها تتحقق من خلاله مجموعة مصالحات لبنانية ولبنانية ـــ سورية ولبنانية ـــ عربية وينال الجميع الضمانات التي يطلبون، لأن بديل عدم حصول الحل هو التوتر الذي قد يخسر فيه فريق الأكثرية، وخصوصاً إذا ضغطت السعودية من أجل تحقيق هذا الحل ولم يتجاوب معها.
وترى هذه الأوساط أن الأكثرية تقف الآن على أبواب مجموعة استحقاقات ليست في مصلحتها، فإلى حراجة وضع الرئيس الأميركي جورج بوش بعد هزيمة حزبه الجمهوري في الانتخابات الأميركية النصفية، سيغادر الرئيس الفرنسي جاك شيراك مكتبه في 6 أيار المقبل، ويليه رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير في الشهر نفسه. فيما نجحت المعارضة في تحميل الأكثرية وداعمتها واشنطن مسؤولية تأخير الحل، في وقت تمكنت القمة السعودية ـــ الإيرانية الأخيرة من تخفيف التوتر المذهبي الذي كان يقلق المعارضة ويحدّ من تحركها إلى تحقيق أهدافها.
غير أن فريق المتشائمين من السياسيين يرى أن مخاض الحل في لبنان ليس ـــ كما يتصوره البعض ـــ قريب المنال أو صناعة محلية، بل هو صناعة دولية يمكن أن تُجمَّل بطروحات داخلية، والدليل إجهاض الفريق الأكثري المبادرات السعودية للمرة الثالثة على التوالي والمبادرة العربية بضغوط أميركية مباشرة على أعتاب مؤتمر بغداد في 10 الجاري حيث تسعى واشنطن لعدم خسارة أوراق الضغط، وأهمها الورقة اللبنانية التي شعرت ببدء تقهقر معسكرها في 14 آذار، وأن مسكّنات السفير جيفري فيلتمان واتصالات الوزيرة كوندوليزا رايس لم تعد كافية لتبريد حُمى التوتر الآذارية، ما دفع الرئيس بوش الى أن يلقي بثقله كورقة أخيرة عبر استدعائه أركان 14 آذار تباعاً إلى واشنطن (وبعض السياسيين الظرفاء يرددون أن بوش إذا ظل على هذه الحال فسيستقبل مسؤول زاروب التمليص)، الأمر الذي يفسره المراقبون بأنه مأزق الإدارة الأميركية في ثبات معسكرها في لبنان .
ولذا، فإن كلا الفريقين، الموالاة والمعارضة، يعدّان العدّة لخوض المعركة الفاصلة، وخصوصاً أن وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل أعاد الكرة إلى الملعب اللبناني ليؤكد بلغة دبلوماسية لطيفة «فشل» كل المحاولات والمبادرات. ولذا، هل يكون آذار موعداً لإطفاء الجمر السياسي والفتن المدعومة خارجياً؟ أم إنه موعد إشعال النار التي ستكون جزءاً من نار تعمّ المنطقة بكاملها ولا يكون في قدرة أحد إطفاؤها؟