أنطوان سعد
تعليقاً على الدعوة الموجهة للوزراء المستقلين للتحرك وإطلاق مبادرة للتوفيق بين الموالاة والمعارضة في موضوعي المحكمة ذات الطابع الدولي وتلأليف حكومة اتحاد وطني، قال وزير العدل شارل رزق لـ «الأخبار» إن الفكرة «جديرة بالدرس»، لكنه تساءل عن أمرين: إمكان نجاح المبادرة في ظل الانقسام المذهبي القائم وتأثيره على خيارات القوى السياسية وقدرتها على التعاطي مع المسائل بموضوعية، والأمر الثاني الحدود التي يمكن أن يبلغها الوزراء المستقلون إذا تحركوا والتي تعكس بالتالي درجة استقلاليتهم. وفي اعتقاده أنه من الضروري أن يتوافر هذان العاملان من أجل الشروع في هذا التحرك وإن كانت فرصه لا تبدو كبيرة في الظرف الراهن.
ولفت وزير العدل إلى أنه حاول القيام بمبادرة مشابهة لكنه اصطدم بواقع الانقسام وخطورته، وهو ما جعله يفرمل خطواته في انتظار تبدل الظروف الإقليمية الضاغطة التي جعلت مختلف القوى السياسية المتنازعة لا تتجاوب معه. وكشف الوزير رزق أنه خرج بعد عملية جس النبض التي قام بها بانطباع أن «الوضع قاتم جداً، والفدرالية أفضل بكثير من الوضع الذي نحن فيه الآن لأن فيها مزيداً من الوحدة والتماسك بين أبناء الشعب والقوى السياسية. وضعنا اليوم أشبه بوضع يوغوسلافيا قبل انهيار الاتحاد وألمانيا قبل سقوط جدار برلين. لبنان اليوم لبنانان والأزمة التي نعيش أخطر بكثير من أن تكون سياسية، إنها أزمة كيان بات على المحك».
وعما إذا كان مستعداً لتكرار المحاولة، يجيب وزير العدل: «لقد علمني الرئيس الراحل فؤاد شهاب ألا أسير إلا في صفوف متراصة، وأن أتجنب العنتريات. وأذكر قصة رواها لي عن نقيب في الجيش الإيطالي كان يقود كتيبة متمركزة على جبال الألب قبالة القوات النمساوية خلال الحرب العالمية الأولى. ولما كانت هذه الجبهة هادئة معظم فترات تلك الحرب، أراد هذا النقيب أن يقوم بعمل بطولي ويخترق الخطوط النمساوية ويحقق انتصاراً يذكره له تاريخ بلاده. فجمع جنوده وألقى فيهم خطبة حماسية، وشهر سيفه وصرخ بهم: هجوم. وانطلق بعزم كبير على صهوة حصانه وهو يظن أن القوة العسكرية الإيطالية المرابضة منقضة وراءه على العدو. غير أنه لاحظ بعد وقت وجيز أن أحداً من جنوده لم يندفع باتجاه المعركة وأنهم اكتفوا بالصراخ من خنادقهم قائلين: برافو كابيتانو».
ويستطرد الوزير رزق مشيراً إلى أنه مستعد للمبادرة متى شعر بأن تحركه قد يؤتي ثماراً مرجوة، أو على الأقل عندما لا يكون متأكداً من أن الفشل هو نصيب مبادرته، لافتاً إلى أنه لا يبحث عن أدوار البطولة على طريقة النقيب الإيطالي المشار إليه. ويبدي وزير العدل خشيته من أن تكون الظروف غير مواتية بتاتاً لإيجاد الحل الجذري للمسألة اللبنانية التي تخطت حد إقرار المحكمة ذات الطابع الدولي وتأليف حكومة الوفاق الوطني. ويلفت إلى أن الحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى حكم يعيد الثقة إلى مختلف شرائح اللبنانيين بحيث «يسوس» مسألة إقرار المحكمة ومسألة المضي في وضعها موضع التنفيذ والتشغيل إلى أن تبلغ مرحلة صدور الأحكام من دون إفساح المجال أمام إقرارها في إطار البند السابع، إضافة إلى تأليف حكومة الاتحاد الوطني التي تطمئن اللبنانيين كافة والشروع في عملية بناء الدولة والشعور الوطني الجامع. ولا يرى رزق بديلاً عن استعادة الثنائية الدستورية ــــــ الكتلوية التي تضم في طياتها قوى وشخصيات سياسية من كل الطوائف والاتجاهات الفكرية الموجودة في لبنان، إذا أراد اللبنانيون حل أزمتهم في جذرياً.
ويتحاشى وزير العدل الخوض في مسألة الفراغ الرئاسي في نهاية ولاية رئيس الجمهورية إميل لحود وشرعية انعقاد الجلسة من دون دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى عقد جلسة الانتخاب. غير أنه يرى في نهاية الأمر «أن المجلس ينعقد دستورياً قبل عشرة أيام من شغور موقع الرئاسة الأولى»، داعياً إلى تجنيب البلاد سجالاً خطيراً جديداً من خلال الشروع في عملية تشاور جدي للوصول إلى توافق لتمرير الاستحقاق الرئاسي على خير حتى لا يضرب في 24 تشرين الثاني المقبل ما تبقى من الجمهورية اللبنانية.