strong>حسن عليق
منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري يعيش لبنان تحت تبعات هذه الجريمة. وكل جريمة ترى السلطات أنها مرتبطة بها، تضاف إلى نطاق عمل لجنة التحقيق الدولية التي أنشأها مجلس الأمن الدولي للتحقيق في اغتيال الحريري، فيما تترك جرائم أخرى، وخاصة التي ذهب ضحيتها مواطنون أبرياء، منسية دون أدنى سؤال عن «الحقيقة»

في 14 شباط 2005 استشهد الرئيس رفيق الحريري. بعد 11 يوماً، شكّلت لجنة دولية لتقصي الحقائق برئاسة المحقق الإيرلندي بيتر فيتزجيرالد، أعقبها إنشاء مجلس الأمن الدولي للجنة مستقلة للتحقيق باغتيال الحريري، قبل توسيع عمل هذه اللجنة لتشمل كل الجرائم المرتبطة باغتيال الحريري، ابتداء من محاولة اغتيال الوزير مروان حمادة بتاريخ الأول من تشرين الأول 2004، وصولاً حتى اغتيال الوزير بيار الجميل بتاريخ 21 تشرين الثاني 2006. وفي الفترة التي تفصل بين الجرائم التي تحقق فيها اللجنة وقبلها وبعدها، جرائم عدة في لبنان، دخلت تقريباً في دائرة النسيان. فلا أحد يطالب بأن يشملها عمل لجنة تحقيق دولية، ولا أحد يطالب بكشف حقيقة ما جرى فيها، كما أن لا أحد يذكر بعضها إلا في «الذكرى السنوية».
شهداء منسيون؟
بتاريخ 13 أيلول 1993، قتل تحت جسر المطار 10 مواطنين لبنانيين بإطلاق النار. يتهم حزب الله عناصر من الجيش اللبناني بإطلاق النار، لكن لم يعاقَب أحد على قتل الشهداء العشرة.
أما في 27 شباط 1994، فقد سقط 11 شهيداً بانفجار داخل كنيسة سيدة النجاة. اتهمت القوات اللبنانية بالوقوف خلف التفجير. قبض على سمير جعجع وحوكم بعدة تهم، منها إعطاء الأمر بتفجير الكنيسة. وبالرغم من إدانته بارتكاب عدد من الجرائم الأخرى، فقد صدر حكم ببراءة جعجع من تهمة تفجير الكنيسة، ولا أحد يعلم إلى أين وصلت التحقيقات بتلك الجريمة.
وبتاريخ 27 أيار 2004، سقط خمسة شهداء في حي السلم خلال مصادمات بين الجيش ومتظاهرين محتجين على ارتفاع أسعار المحروقات. وحتى اليوم لم يُحاكَم أي شخص بجرم القتل، بالرغم من وجود خمسة شهداء، تكفلت الحكومة اللبنانية بدفع تعويضات لذويهم، قدرها خمسون مليون ليرة لعائلة كل شهيد.
وفي الرمل العالي، بتاريخ 6 تشرين الأول 2006، استشهد طفلان نتيجة إصابتهما بالرصاص خلال احتجاج الأهالي على محاولة قوى الأمن الداخلي إزالة مخالفات بناء في المنطقة. وبالرغم من تشديد مجلس الوزراء اللبناني على رفع الغطاء عن أي مسؤول متورط بهذه الجريمة، لم تكشف التحقيقات أياً من الجناة حتى اليوم.
الجرائم المذكورة أعلاه، هي جزء يسير من عدد كبير من الجرائم التي لم يكشف الجناة فيها حتى اليوم. فغالب عوالي وجهاد جبريل والأخوان مجذوب ورمزي عيراني وجواد بولس وأحمد محمود وشهداء 23 و25 كانون الثاني 2005 وغيرهم، هم شهداء سقطوا على الأراضي اللبنانية، ولا يزال الفاعل مجهولاً، وبعض هذه الجرائم، غطى الغبار ملفات التحقيق فيها.
من ناحية أخرى، في الانفجار الذي أدى إلى استشهاد الرئيس الحريري والوزير باسل فليحان، سقط 21 شهيداً آخرين، بينهم فرحان أحمد العيسى، الذي ذكر المحقق الألماني ديتليف ميليس في تقريره الأول الصادر منتصف تشرين الأول 2005، أنه لا يزال في عداد المفقودين، ثم لم تذكره تقارير لجنة التحقيق الدولية الخمسة اللاحقة. وحتى اليوم، لم يعرف أحد مصيره. وفي إطار جريمة اغتيال الحريري، لا يزال المواطنون يذكرون كيف عثرت عائلة الشهيد عبد الحميد غلاييني على جثته بعد 18 يوماً من الانفجار. كما عثر بعد أكثر من شهر على تاريخ استشهاد الحريري على جثة زاهي أبو رجيلي الذي ذكر تقرير لجنة التحقيق الدولية الأول أن تقرير الطبيب الشرعي تحدث عن وفاته بعد حوالى 12 ساعة على الانفجار. بالمقابل، وبعد ترؤس القاضي سيرج براميرتس للجنة التحقيق الدولية المستقلة، رفعت اللجنة خيمة فوق مسرح جريمة اغتيال الحريري، لتبحث عن أدلة جديدة، فعثرت على سن بشرية قيل إنها أضافت قيمة جديدة للتحقيق، هذا في حين يتم التعامل بقلة احتراف مع مسارح جرائم أخرى. وبينما لا تزال الطريق المؤدية إلى مسرح جريمة اغتيال الحريري مقفلة، فتحت كل الطرق الأخرى التي شهدت جرائم، يبدو أن المعنيين يرونها أقل أهمية. فطريق عين علق فتحت بعد أقل من شهر على وقوعها، وهي الجريمة التي ذهب ضحيتها ثلاثة من المواطنين الفقراء من غير السياسيين والزعماء. وفي الكسليك، ليل 23 آذار 2005، قتل ثلاثة عمال هنود، لا يذكرون أيضاً في عداد الشهداء. فيبدو أن تعاملاً «طبقيأً» يؤثّر على العدالة، ما يسمح للقيّمين على شؤون المواطنين في لبنان بإضافة بضعة أرقام إلى سجل يحمل أكثر من مئة ألف اسم سقطوا خلال الحرب الأهلية اللبنانية الأخيرة، أو إلى عدد يقدر بحوالى 17 ألف مواطن لبناني لا يزالون في عداد المفقودين.