ردود متبادلة بين «القوات» ورئاسة الجمهورية على خلفية مواقف جعجع
رأى رئيس الجمهورية إميل لحود ان التقرير الأميركي الذي أصدرته وزارة الخارجية الأميركية عن حقوق الإنسان لعام 2006، أثار مواضيع «طالما حذرنا من عواقبها» ومنها الضغوط السياسية في تعيين قضاة التحقيق واستمرار اعتقال الضباط الأربعة، معتبراً أنه «إذا كان على الدولة اللبنانية تصحيح أخطاء أوردها التقرير فإن على الإدارة الأميركية أيضاً تصحيح مقاربتها لواقع المقاومة في لبنان التي هي ليست تنظيماً إرهابياً، بل هي من الحقوق الأساسية التي يقرها ميثاق الأمم المتحدة».
ورأى لحود، بحسب ما نقل عنه زواره أمس، ان التقرير تضمّن ملاحظات «يجدر التوقف عندها ولا سيما ما يتعلق منها بالممارسات التي تسيء الى صورة لبنان الخارجية وسمعته الدولية كبلد ديموقراطي يحترم القوانين وحقوق الإنسان»، لافتاً الى ان التقرير أثار مواضيع «طالما حذر (لحود) من عواقبها وانعكاساتها ومنها مسألة الضغوط السياسية في عملية تعيين المدعين الأساسيين وقضاة التحقيق ما يحدث تشكيكاً في صدقية ما يصدر عنهم من قرارات وأحكام».
وقال: «عندما عرض عليّ مشروع المرسوم المتضـمن التشكيلات القضائية أبديت ملاحظات ركزت على عدم إدخال السياسة في القضاء، وسألت عن المعايير التي اعتمدت في بعض التعيينات المقترحة، وقلت يومها للمعنيين إن ما أطلبه لا ينطلق من حسابات شخصية كما ادعى البعض في حينه، بل يهدف الى تحصين القضاء وإبقائه في منأى عن أي تشكيك، وهذا الأمر لا يتحقق إلا من خلال توفير الضمانات لمنفعة القضاة والمتقاضين على حد سواء وفق ما تنص عليه المادة 20 من الدستور. ويؤسفني ان أقرأ اليوم في التقرير الأميركي مثل هذه الملاحظات التي كان يمكن تفاديها لو أُخذ بالملاحظات التي أبديتها وخصوصاً في التعيينات المقترحة في القضاء الواقف، ولا سيما ان هذه الملاحظات تؤثر سلباً في سمعة القضاء اللبناني الذي يجب ان يبقى مثل امرأة قيصر لأنه الضمانة الوحيدة لتحقيق العدالة وحفظ الحقوق».
وأضاف لحود: «أما المسألة الثانية التي توقف عندها التقرير أيضاً، فهي تلك التي تتعلق باستمرار اعتقال الضباط الأربعة اعتباطاً لفترة طويلة من دون بتّ مصيرهم، وهو أمر سبق أن حذرت منه مراراً، وفي كل مرة كانت ردود الفعل السياسية على كلامي تتصاعد من هنا وهناك من دون التوقف عند الأصول القضائية الواجب اعتمادها في حالات كهذه، علماً أن من حق رئيس البلاد، بل من واجبه الدستوري، المطالبة ببتّ أوضاع أي معتقل من دون محاكمة لئلا يشكل ذلك مأخذاً جوهرياً على عمل السلطة القضائية، وفي ذلك أيضاً مخالفة جسيمة لحقوق الإنسان من جهة، ولمسار العدالة من جهة ثانية، فضلاً عما تسببه مثل هذه المخالفات من ضرر في سمعة الدولة. ولعل إشارة التقرير الأميركي الى مطالبتي في نيسان 2006 ببتّ مسألة اعتقال الضباط الأربعة في مهلة معقولة ما لم يكونوا متورطين بشكل صريح في عملية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ما هي إلا لتأكيد ان ما يتعرض له هؤلاء الضباط اليوم يخالف القوانين والأصول وينتهك حقوق الإنسان».
وتساءل لحود «ألم يحن الوقت ليتوقف المعنيون عن التدخل في عمل القضاء على خلفية سياسية، فيعملوا على احترام القوانين والتزام مفاعيلها ويمتنعوا عن تفسير النصوص القانونية كما يشاؤون، أم هم اعتادوا استباحة الأصول والقوانين والأعراف خدمة لأهدافهم ومصالحهم وحساباتهم الذاتية؟». وأشار الى انه «إذا كان على الدولة تصحيح الأخطاء التي أوردها التقرير لمنع تكرارها، فإن على الإدارة الأميركية أيضاً تصحيح مقاربتها لواقع المقاومة الوطنية في لبنان التي هي ليست «تنظيماً إرهابيا»، كما يدّعي التقرير، بل هي من الحقوق الأساسية التي يقرها ميثاق الأمم المتحدة للشعوب التي احتُلّت أرضها، وبالتالي فإن دور المقاومة هو دور وطني وقومي تجمع عليه غالبية اللبنانيين لأنه نتيجة مباشرة للاحتلال الإسرائيلي وللعدوان المتكرر على لبنان المدعوم من الإدارة الأميركية».
من جهة أخرى ردت «القوات اللبنانية» في بيان أمس على رد لحود على موقف رئيس هيئتها التنفيذية سمير جعجع بعد زيارته أول من أمس لرئيس الحكومة فؤاد السنيورة مشيرة إلى أنه «لم يعد ينفع الرئيس لحود تكرار التذكير بالأحكام السياسية التي ساهم هو مع شركائه في تنفيذ إرادة الاحتلال والوصاية في تركيب ملفاتها وإصدارها في حق الدكتور سمير جعجع».
ورأى البيان «أن المهم في تبيان أدوار القيادات اللبنانية وأدائها ليس الأحكام السياسية التي أصدرتها سلطات الوصاية والاحتلال في حق الأحرار منهم، بل التحقيق الدولي والمحاكمات الشفافة المقبلة لكل الأتباع الذين تورطوا في عمليات الاغتيال والإجرام التي استهدفت القادة اللبنانيين والمناطق اللبنانية الآمنة».
ورأى البيان أن «السياسة التي تبناها لحود وشركاؤه في الارتهان لسوريا هي التي أدت وتؤدي بالواقع اللبناني إلى مزيد من التدويل». ولفت ألى أن «حرفية البيان الصادر عن بكركي نصت على أن إقرار المحكمة وفقاً للفصل السابع تدل، في حال حصوله، على أن الوطن الصغير قد أصبح مفككاً غير قادر على تسيير أموره بذاته». وهذا كلام لا حاجة إلى تفسيره للدلالة على ما آل إليه لبنان نتيجة لوجود لحود في رئاسة الجمهورية. فهذه العبارة تشير بوضوح إلى أن اللجوء إلى الفصل السابع هو نتيجة للوضع المفكك الذي يصيب لبنان وليس سبباً في تفكيك الوضع».
وتمنى البيان على لحود «أن يكون اعتماده الكلام الصادر عن رأس الكنيسة المارونية، ولو من خلال تفسيره على غير ما يعنيه، مؤشراً على نيته التزام كل مواقفها ودعواتها، ولا سيما منها مضمون الرسالة التي سبق للبطريرك صفير أن وجهها إليه، طالباً منه الاستقالة تجنيباً للبنان مزيداً من الأزمات».
وفي وقت لاحق أصدر مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية بياناً رد فيه على رد «القوات» موضحاً أن من أصدر الحكم على جعجع «هو القضاء اللبناني الذي لا يترك السيد جعجع مناسبة إلا يشيد بنزاهته وعدالته ويطلب من الجميع الاحتكام إليه».
ورأى أنه إذا كان جعجع يدعو إلى اعتماد الشفافية «فالأحرى به أن يطبق هذه الدعوة عليه أولاً من خلال مصارحة اللبنانيين عن مسؤوليته المباشرة في سلسلة طويلة من الجرائم التي ارتكبت على مدى سنوات من الهيمنة والتسلط والقمع بحق أبناء المناطق اللبنانية التي حل فيها مع مسلحيه، فجلب إليهم القتل والدمار والخوف والتهجير... ولعله يجيب عن سؤال واحد يطرحه اللبنانيون بإلحاح وهو: إرادة من كان السيد جعجع ينفذ عندما خاض حرب الجبل وشرق صيدا، وهاجم ثكنات الجيش اللبناني وأعدم ضباطه وعسكرييه ذبحاً ورمياً بالرصاص، وصادر الأسلحة والذخائر والآليات، وعندما قتل الرئيس الشهيد رشيد كرامي والمهندس الشهيد داني شمعون والعميد الشهيد خليل كنعان، والياس الزايك وغيرهم، وعندما حاول قتل الرئيس ميشال المر والمرحوم إيلي حبيقة، وعندما حكم بالإعدام على عنصرين من القوات ونفذ الحكم بهما في ثكنة ضبية، وغيرها الكثير من الجرائم التي ارتكبت بحق الآمنين والأبرياء؟ ناهيك عن الممارسات التي تركت ندوباً في الجسم اللبناني لن يمحوها مر السنين».
وقال المكتب: «من كان ماضيه هو على هذا الواقع الإجرامي المثبت بالأحكام القضائية والأدلة الدامغة لا يحق له أن يتحدث عن «الحرية والأحرار» ولا عن «إرادة الوصاية» ولا عن «تركيب ملفات». وبديهي أن توجه إليه الدعوة إلى «استفاقة الضمير» والكف عن تضليل اللبنانيين وخداعهم».