أنطوان سعد
كان لافتاً أول من أمس اتخاذ بيان المطارنة الموارنة موقفاً متحفظاً عن مسألة إقرار المحكمة الدولية في مجلس الأمن تحت البند السابع، واعتباره ذلك «ضربة قاسية تشل البلاد أكثر مما هي مشلولة». وعكس هذا الموقف قلق الصرح البطريركي الماروني حيال تطور الأوضاع واتجاه الأمور نحو مزيد من التعقيد والتأزم، وظهور استعداد لدى الفرقاء المحليين وحلفائهم الدوليين للمضي في عملية عض الأصابع والتهويل باللجوء إلى المنظمة الدولية من أجل الضغط على القوى التي تعارض إقرار مشــروع المحكمـــــــة ذات الطابـــــــــع الدولـــــي في شكله الحالي.
ذلك أن بكركي المؤيدة علناً لكل ما يتعلق بإقرار المحكمة ذات الطابع الدولي وبسط سيادة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها وحصر امتلاك السلاح بالقوات المسلحة اللبنانية، وإنهاء الاعتصامات في وسط بيروت، ولكل إجراء يحفظ الأمن في لبنان، تبدو متوجسة ومستاءة من «التجاذب بين المعارضة والموالاة»، ومن عدم استعدادهما للتحاور والبحث عن الحل الوسط المشرّف للطرفين. وقد أثبتت الأيام المئة الأخيرة أن الخاسر الوحيد من هذا الكباش هو الشعب اللبناني الذي لا يجد من يأبه لأمره بين القوى السياسية المتنازعة، وأن التجاذب مستمر دون أفق أو تباشير بالحل مهما تكن الخسائر والتداعيات على اللبنانيين. وفي اعتقاد المطارنة الموارنة أن إقرار المحكمة في مجلس الأمن وفق الفصل السابع يعني في أقل تقدير صب الزيت على النار وإيقاد نار الفتنة بين اللبنانيين. وهذا بالطبع أخشى ما يخشاه الأحبار الموارنة في الظرف الحالي بعدما أظهر يوما الثالث والعشرين والخامس والعشرين من كانون الثاني الماضي عينة مخيفة عما يمكن أن يحدث في أحياء بيروت ومختلف المناطق اللبنانية إذا خرجت الفتنة من عقالها.
وفي هذا الإطار، يوضح مصدر في مجلس المطارنة أن خلفيات الموقف الرافض لإقرار المحكمة الدولية تحت الفصل السابع منبعها في شكل خاص قلق من طريقة تعاطي المسؤولين اللبنانيين، من الاتجاهات السياسية، كافة مع القضايا الدقيقة. فهم يبدون في معظم الأحيان غير مقدّرين لخطورتها ومستعدين للمجازفة باستقرار البلد ومصالح الناس وحياتهم في سبيل تحقيق أهدافهم السياسية وتكريس نفوذهم. ويضيف المصدر: «أخذنا هذا الموقف بكل بساطة لأن إقرار المحكمة بهذا الشكل يعني حكماً أن الدولة اللبنانية غير موجودة عملياً في نظر الأسرة الدولية، ولا تخفى على أحد مترتبات ذلك على الوضع الداخلي اللبناني لأنه إذّاك يمكن أن تأتي قوات دولية لتأمين سير عمل المحكمة، ما سيخلق شرخاً كبيراً بين اللبنانيين، وخصوصاً إذا قررت المحكمة استدعاء فلان أو غيره من كبار المسؤولين في التنظيمات التي تعدّ نفسها مستهدفة من بعض القوى الدولية. هل يمكن من يعمل على إقرار المحكمة الدولية تحت الفصل السابع ألا يعلم أن من شأن ذلك أن يشعل حرباً أهلية؟».
ويستنتج المصدر في مجلس المطارنة الموارنة مما جاء في البيان، بعد استعراض الخلفيات التي أوجبته، أنه «إذاً، على كل المسؤولين السياسيين في المعارضة والموالاة أن يجلسوا معاً ويعملوا على حل خلافاتهم في ما بينهم، وخصوصاً حول المحكمة ذات الطابع الدولي. جميعهم يقولون إنهم موافقون عليها وإنما تبقى ملاحظات من جانب المعارضة على بعض المسائل، فلتبحث في الإطار الملائم وليتفقوا على التعديلات الواجب إدخالها على المشروع كي يصبح مقبولاً من كل الأطراف».
ويلفت المصدر إلى أن بكركي غير غافلة عن أن لمشكلة إقرار المحكمة ذات الطابع الدولي أبعاداً متصلة بترميم الوضع الحكومي أو تأليف حكومة جديدة وخصوصاً لناحية الحصة التي ستحصل عليها المعارضة فيها، كما بالاستحقاق الرئاسي المقبل الذي سيكون شكل الحكومة العتيدة مؤشراً إلى اتجاهاته ومؤثراً عليه. فحكومة فيها ثلث معطل للمعارضة تعني إشراك هذه الأخيرة حكماً في عملية اختيار الرئيس المقبل للجمهورية تحت طائلة الاستقالة منها وإسقاطها قبل موعد انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود. أما حكومة ليس فيها الثلث المعطل فتعني أنه لن تكون للمعارضة قدرة تأثير كبيرة في انتخاب الرئيس المقبل لأن الحكومة قادرة شرعياً على الاستمرار بعد شغور الرئاسة الأولى، إذا عطلت المعارضة جلسة الانتخاب. لذلك تدعو أوساط بكركي القوى السياسية كافة إلى فتح الحوار منذ الآن حول الاستحقاق الرئاسي المقبل والتفاهم على هوية الرئيس العتيد القادر على أداء دور الحكم لحل كل المشاكل بين الطرفين المتخاصمين وأولها مشكلة فقدان الثقة.