strong>ثائر غندور
«القضاء اللبناني أمام تحدي تأكيد استقلالية قضاته مجدداً» يقول أحد العاملين في إحدى جمعيات حقوق الإنسان، ويعلّل استنتاجه بالقول: «انظر إلى القضاة المتمرّسين الذين حافظوا على القضاء قدر المستطاع في وقت انهارت كل القيم في هذا الوطن، ثم راقب القضاة الجدد الذين لم توقّع تشكيلاتهم القضائية بعد، ورغم ذلك تجدهم جاهدين في تحليل واقع القضاء اللبناني ومشاكله وتحدياته».
ففي الوقت الذي استطاع العديد من المحامين وجمعيات المجتمع المدني نقد القضاء اللبناني والتجاوزات الموجودة فيه، أكّد هؤلاء على ثقتهم بالعديد من القضاة اللبنانيين، الذين تقع على مسؤوليتهم إكمال معركة الحفاظ على استقلاليتهم في وجه سلطة لا تفوّت فرصة إلّا وتستغلها للانقضاض على استقلالية هؤلاء.
لكن، بداية يجب الإشارة إلى الواقع بين لبنان والدول العربية مشابهة من جهتين: الأولى هي الفساد وتدخّل السلطة السياسية، والثانية هي وجود قضاة نزيهين وآخرين غير نزيهين. هذا الاستنتاج خرج به أحد المشاركين الأردنيين في ندوة «استقلال القضاء ونزاهته ـ لبنان» التي نظمتها «الشبكة الأورو ـ متوسطية لحقوق الإنسان». وتجدر الإشارة إلى أن عدد القضاة الشباب الذين تخرجوا من معهد القضاء العالي، ولم يبدأوا عملهم تحت قوس العدالة بسبب الخلاف السياسي، سيصل إلى أكثر من مئة في العام المقبل، في الوقت الذي يعاني فيه القضاة اللبنانيون من تكدّس الملفات أمامهم نتيجة قلة عددهم.
عرض القاضي علي يونس خلال الندوة لمشكلات وتحديات استقلال القضاء اللبناني وحياده، فأشار إلى ثلاثة أنواع من المشاكل: الناجمة عن النص القانوني نفسه، وتلك الناجمة بسبب النص القانوني، وأخرى من خارج النص القانوني. فمن التعيينات القضائية المرتبطة بالسلطة السياسية بشكل مباشر، ودور وزير العدل، كما عدم وجود ميزانية مستقلة للقضاء اللبناني، الذي تحوّل إلى مصدر دخل للدولة التنفيذية وهذا ما يتنافى مع مبدأ مجانية العدل وحق كل إنسان بالحصول عليه. ولفت يونس إلى نظرة المجتمع السلبية للقضاء في لبنان، فعدّد أموراً يجدر بالقضاة القيام بها من أجل تحسين هذه الصورة، وأهمها: استقلال القاضي، التجرد أو الحياد، النزاهة، موجب التحفظ، الشجاعة الأدبية، التواضع، الصدق والشرف، الأهلية والنشاط. كما طرح أموراً يجدر بمجلس القضاء الأعلى القيام بها: حفاظ مجلس القضاء الأعلى على مبدئية الساعي أو الطامح للدخول إليه، وحفاظ الجسم القضائي على رباطة جأشه أمام قرارات مجلس القضاء الأعلى.
ثم تناول يونس دور المجتمع المدني في تعزيز الثقة في القضاء اللبناني على عدّة مستويات: ثقافياً وتربوياً عن طريق العمل على تطبيق برامج التربية المدنية في روحيّتها التي تهدف إلى تنمية المواطنة، وتالياً نبذ الزبائنية وترسيخ سلطة المعايير بدلاً من علاقات النفوذ والتشديد على الاستقلالية فكراً وممارسة. توثيق وتدوين التراث القضائي اللبناني الحي واعتماد الإعلام القضائي. ومثال على ذلك، برنامج «عدالة الأبواب المفتوحة» الذي عُرض في فرنسا، كما معالجة ظاهرة التفاوت أو الطلاق المتفاقمة بين النيابات العامة وباقي الجسم القضائي.
وفي هذا الإطار، من المفيد الإشارة إلى نظرة السياسيين اللبنانيين للقضاء اللبناني التي تظهر في تصريح لأحد هؤلاء السياسيين في عام 1995، حيث قال النائب وليد جنبلاط: «إن القاضي في النهاية، في لبنان، هو موظف عند السلطة السياسية». ثم رأى بعد عدة أشهر أن القضاء يتعرض لضغوط سياسية، مضيفاً ما حرفيّته: «أنا سياسي وأمارسها، والسياسي الذي يقول غير ذلك يكون كاذباً». ربما يكون ما قاله النائب جنبلاط لسان حال الطبقة السياسية اللبنانية.
وتحدّث القاضي علي يونس عن تحدّيات الحيادية، معتبراً أن القاضي عليه أن يلتزم بمعايير محددة: عدم الانحياز إلى مواطن على حساب آخر، عدم الانحياز إلى الوطني على حساب الأجنبي، عدم الانحياز للدولة على حساب الفرد، عدم الانحياز للاختصاص القضائي على حساب إرادة الفرقاء في التحكيم.