طارق ترشيشي
يعتقد مسؤول سابق بأن اللقاءات التي يعقدها الرئيس نبيه بري والنائب سعد الحريري تستهدف تحضير الحلول للأزمة الداخلية والبدء بتطبيقها في لحظة حصول التسويات الإقليمية التي يُعمَل حالياً على تظهيرها من خلال اللقاءات والمؤتمرات التي تُعقد في عدد من العواصم العربية والإقليمية.
ويقول هذا المسؤول إن الأفرقاء الداخليين لا يستطيعون أن يقرروا الآن حلاً ناجزاً للأزمة ويباشروا في تطبيقه بمعزل عن القوى الإقليمية والدولية التي تدعمهم أو التي ارتبطوا بها أو ارتبطت بهم. فكل من هذه القوى لها أهدافها التي تسعى الى تحقيقها. ويضيف إنه قبل مؤتمر بغداد الأخير الذي مثّل انعطافة كبيرة في السياسة الأميركية كان الخوف من انفجار الساحة اللبنانية لتفرض نفسها على اللاعبين الإقليميين والدوليين، لكن بعد هذا المؤتمر تغير الوضع وباتت معالجة الأزمة اللبنانية مرهونة بمآل المعالجات الإقليمية وخصوصاً أن مؤتمر بغداد أطلق مفاوضات مباشرة بين واشنطن وكل من دمشق وطهران كتطبيق غير معلن لتوصية لجنة بيكر ـ هاملتون بالانسحاب من العراق.
ويقول المسؤول نفسه إن الرئيس جورج بوش بعد هزيمته في الانتخابات النصفية الأميركية جمع مستشاريه ومعاونيه وصارحهم بأن سياسته لم تكن ناجحة في أفغانستان والعراق ولبنان وفلسطين وأنه يريد الانسحاب من العراق لكنه يحتاج الى بضعة أشهر لتأمين هذا الانسحاب على نحو لا يصيب بلاده بنكسة كبيرة تنعكس سلباً على الداخل الأميركي. وهدد بوش بأنه في حال عدم تلبية مطالبه بزيادة عديد القوات الأميركية في العراق وموازنتها العسكرية للوصول الى «الانسحاب المشرّف» فإنه سيذهب الى الكونغرس ويقول كل شيء محمّلاً معارضيه مسؤولية ما قد يصيب أميركا من خسائر وأخطار.
ويربط المسؤول نفسه التحركات الإقليمية من طلب السعودية أن تنعقد القمة العربية على أراضيها بعدما كانت مقررة في شرم الشيخ والتلاقي السعودي ــــــ الايراني وما نتج منه من مسعى لحل الأزمة اللبنانية وتطبيع العلاقة السورية ـــــ السعودية الى «اتفاق مكة»، وصولاً الى مؤتمر بغداد الذي هو عملياً مؤتمر التفاوض بين واشنطن وكل من دمشق وطهران حول مستقبل العراق والدور الأميركي فيه والمؤتمر المماثل الذي سيعقد على مستوى وزراء الخارجية في تركيا الشهر المقبل. ويقول إن حل الأزمة اللبنانية مرهون بما ستؤول اليه كل هذه التحركات ومدى وصول الأطراف الإقليميين والدوليين المعنيين بها الى الأهداف التي يريدونها.
فواشنطن تريد «خروجاً مشرّفاً» من العراق يقنع الرأي العام الأميركي بأن التدخل في العراق «حقق الديموقراطية التي وعد بها العراقيين»، مقروناً ببعض المكتسبات الاقتصادية والنفطية (لشركة هاليبرتون وغيرها) ويدل على ذلك القانون النفطي الذي يضغط بوش حالياً لإقراره عبر المؤسسات الدستورية العراقية لهذه الغاية. إلا أنها لا تستطيع أن تحقق ذلك ما لم تحصل على المساعدة السورية والإيرانية وهي مساعدة لا يمكنها الحصول عليها ما لم تلبِ مطالب دمشق وطهران.
فإيران تريد انتزاع اعتراف أميركي ودولي بدورها الإقليمي وبحقها في امتلاك الطاقة النووية للأغراض السلمية.
وسوريا تريد استعادة دورها العربي والإقليمي واستعادة الجولان في إطار تسوية شاملة وعادلة بعدما كانت واشنطن قد أوقفت مفاوضات كانت تجري قبل ثمانية أشهر بين سوريا وإسرائيل. كما تريد ان تأْمَن الخاصرة اللبنانية عبر حل سياسي متوازن للأزمة الراهنة. كذلك تريد من واشنطن أن ترفع عنها سيف المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري بحيث لا تكون «محكمة سياسية» يراد منها إسقاط النظام اذا لم يتجاوب مع مطالبها العراقية.
ويجزم المسؤول نفسه بأن واشنطن تهول بالمحكمة الدولية تحت الفصل السابع أو من دونه لكنها لا تريدها لأنها تفتح سابقات يمكن أن تطاولها مستقبلاً حول ما ارتُكب من مجازر نتيجة تدخلاتها العسكرية في أفغانستان والعراق ومخالفات حقوق الإنسان في سجن غوانتانامو، ولو أنها تريد المحكمة لما رفضت توقيع اتفاق روما الذي يرفع الحصانة عن العسكريين خلال الحروب. علماً أنها تدرك أن روسيا والصين لا يمكن ان توافقا عليها.
كما أن للسعودية مطالبها وأهدافها وعلى رأسها نجاح القمة العربية برئاستها وتجنيب المنطقة الفتنة المذهبية، والتلاقي الذي حصل بينها وبين ايران يندرج في هذا الإطار وهي ترى أن مؤتمر بغداد الأخير كان «قوطبة» أميركية عليها وعلى طهران ومسعاهما لحل الأزمة اللبنانية لأن أي فتنة مذهبية يمكن ان تبدأ بين السُنة والشيعة وقد تنتهي بحرب بين القوميتين العربية والفارسية.
ويرجح المسؤول أن لا يتوافر حل لأزمة لبنان قبل منتصف الشهر المقبل وفي انتظار ذلك فإن الرئيس بري والحريري يعملان الآن على تحضيره لكي لا يفوِّت لبنان القطار لحظة توافر التسويات الاقليمية التي اذا لم تتحقق فسيكون البديل «حفلة جنون» تهرب فيها واشنطن الى الامام عبر توجيه ضربة عسكرية جوية لإيران تغطي بها انسحابها من العراق الحاصل حتماً.